يشكل مبدأ السببية أداةً بارزة في النمط الحياتي، وملازماً ضرورياً في خطوات تحقيق أي هدف، فضلا عن كونه فرعاً فلسفياً. وقد آمن بفحواه العظماء والقادة حتى ولو لم يذكروه حرفياً؛ ففي سببية النجاح والإعمار قال المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان: «الأرض طواعية للرجال الذين يملكون الأمل ويقدرون على تحدي المستقبل». 
إن الحديث عن نظام عالمي جديد، يعني متسعاً هائلا من الخبرات البشرية، وخلاصة التجارب الناجحة على امتداد خريطة كل دولة. وعلى الرغم من تعدد المواد الخام الصانعة للنظام العالمي الجديد، وتشعب حاجاتها، إلا أن دولة الإمارات العربية المتحدة استطاعت تحقيق النجاح في سباقها الحضاري مع العالم ككل وبعدة اتجاهات وخطوات حطمت الرقم القياسي، وبنت على أسوارها صروح نهضوية مزهرة، دائمة الخضرة والتفتق. 
لقد أدركت دولة الإمارات منذ تأسيسها واجتماع شيوخها الكرام على الطموح الواعي والإرادة الفذة الساعية لتحقيق التكاتف الإماراتي الأصيل، أن خير ما تؤسس به لقيام الدولة واستدامة نموها وتطورها هو بناء الإنسان، وتعزيز كرامته، والارتقاء بمنظومته الفكرية والأخلاقية.. ومن هنا انطلقت في رحلة الإنجاز الذي لا يعرف المستحيل، فحازت المراتب الأول في شتى مشاريعها، سواء أكان ذلك في سياق المشروع الأخلاقي الإنساني، أو المشروع الاقتصادي النهضوي، أو المواكبة الرقمية.. أوغيرها الكثير. 
وعلى الصعيد الأخلاقي والإنساني، فقد نقش شيوخ الإمارات ملامح حياة إنسانية بديعة في المجالات الدافعة والصانعة للحضارة الجديدة، ففي حين يأتي الثراء الاقتصادي والتخمة العسكرية على رأس أولويات القوى الدولية العالمية، وضعت الإمارات الإحسان نصب عينيها، وانطلقت من خلاله في تنمية الفضائل الأخلاقية، والدفع بالأسس والركائز التعليمية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والخيرية، جاعلةً من المبادئ الإسلامية السمحة، ثم رؤى الأب المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، منهجاً واضحاً في شتى معاملاتها، ولم تغفل جانباً من الجوانب التنموية المجتمعية، فاحتضنت الإبداع، وأحاطت المرأة بدعم متكامل واثق من كفاءتها وطموحاتها. 
ومن حكمة شيوخها الممتدة شكّلت الإمارات سلسلة محكمة متناسقة، متكاملة ومتوافقة، نراها اليوم على أرض الواقع في هذه الدولة وفي أخلاقياتها الإنسانية عامةً، وعلى الخصوص فيما يتعلق بالتعايش والتسامح، إذ نهلت من صلب التجارب الإنسانية، واحترمت تعاليم الديانات السماوية، مؤسسةً نهجاً عقلانياً رصيناً قادراً على استيعاب كل الاختلافات وصهرها في بوتقة متناغمة شكّلت نموذجاً مشرقاً في التناغم الإنساني المعاصر والمأمول. 
وفيما يتعلق بالازدهار الاقتصادي النهضوي، لا يخفى على أحد في العالم ما حققته الإمارات اليوم، إذ باتت وُجهة مركزية خصبةً وجاذبةً للاستثمارات الريادية، ونقطة استقطاب ناهضة بالكفاءات العربية والأجنبية، وبخاصة في ظل إرادة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان راعي العطاء الإنساني، ورؤيته الثاقبة وهو يسير على نهج الآباء والأجداد مع أخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم المعروف بسعيه الدؤوب العاشق للابتكار والتجديد. 
إن ما قدمته دولة الإمارات خلال خمسين سنة على تأسيس اتحادها أثبت نجاعتَه في التأثيث لمفردات النظام العالمي الجديد، من خلال منهجية قائمة على السلم والتسامح والتطور.. حتى باتت هذه الدولة موطناً للمحبة ووطناً للإنسانية. دامت الإمارات حاضناً قيمياً راسخاً، ونقطة انطلاق وتلاقي عالمي. 


أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة