تواجه العاصمة الهندية نيودلهي والبلدات المجاورة لها مشكلة تلوث هائلة. فالسماء فوق دلهي والمناطق المحيطة بها محملة بدخان كثيف، ووصلت جودة الهواء إلى مستويات صُنفت بأنها «خطيرة»، وهو أسوأ مستوى على مقياس مؤشر جودة الهواء. وقامت عشرات الآلاف من العائلات في جميع أنحاء العاصمة الهندية تقريباً بإغلاق أبوابها ونوافذها لأن الهواء في الخارج شديد السمية، لدرجة تجعلهم يعانون من السعال طوال اليوم. وتعاني نيودلهي من أسوأ هواء مقارنة بأي عاصمة أخرى على سطح هذا الكوكب، وفقاً لمجموعة «IQ AirVisual»، وهي مجموعة مقرها سويسرا وتقوم بجمع بيانات جودة الهواء على مستوى العالم.
وتشهد دلهي ارتفاعات خطيرة في التلوث كل شتاء، حيث يحبس الطقس البارد خلال أشهُر الشتاء الملوثات في الغلاف الدوي عندما يحرق المزارعون جذامة الحقول (ما بقي بعد الحصد) لإعداد الحقل لزراعة مجموعة أخرى من المحاصيل. ويضيف هذا إلى التلوث الناجم عن المركبات وأنشطة البناء وحرق النفايات واستخدام الوقود غير النظيف. وفي حين أن دلهي لها مصادرها الخاصة، فإن هناك العديد من المصادر الأخرى التي تساهم في تدهور جودة الهواء خارج حدودها. لا تساهم المدن سريعة التطور حول دلهي في تلوث الهواء في مناطقها فحسب، بل تضيف أيضاً إلى نسبة عوالق الهواء الملوثة المعروفة باسم PM2.5. إلى جانب دلهي التي يبلغ عدد سكانها 18 مليون نسمة، هناك حوالي 12 مدينة وبلدة ومنطقة ريفية صغيرة يبلغ إجمالي عدد سكانها حوالي 46 مليون نسمة. وتشهد هذه المناطق معدلات تطوير وتصنيع وتحضر أعلى من دلهي، وقد أظهرت هي أيضاً معايير جودة هواء سيئة.
وقد بدأت السلطات مرة أخرى هذا العام في اتخاذ تدابير الطوارئ، فتم إغلاق المدارس، وتحولت المكاتب الحكومية إلى العمل من المنزل. لكن المشكلة تكمن في أنه يجب مكافحة التلوث على مدار العام، وليس فقط عند اندلاع المشكلة، أو من خلال تدابير الطوارئ فقط. لقد ظلت مشكلة التلوث في الهند شديدة بسبب الظروف الجوية السيئة أو حرق القش أو انفجار الألعاب النارية التي ثبت أنها نقطة تحول تؤدي إلى أن تصبح جودة الهواء خطيرةً. وعلاوة على ذلك، ثمة 11 محطة للطاقة الحرارية في دلهي والمدن المحيطة بها. كما أن هناك ما يزيد على 5000 فرن من أفران الطوب، وقد تم تحويل عدد قليل منها إلى تقنية التعرج (زجزاج) الأكثر نظافة.
ووجد مركز العلوم والبيئة لتحليل تلوث الهواء في دلهي أن التلوث الناتج عن المركبات ساهم في نصف التلوث. فالمدينة بها 10.32 مليون سيارة ركاب مسجلة. وشملت العوامل الأخرى حرق النفايات والتلوث الصناعي. ووفقاً لأحد التقييمات، تنقسم مصادر التلوث في دلهي إلى تلوث بالمركبات (50-53%)، وتلوث منزلي (12.5-13.5%)، وتلوث ناجم عن الصناعة (9.9-13.7%)، وتلوث ناتج عن أعمال البناء (6.7-7.9%)، وتلوث ناتج عن حرق النفايات (4.6-4.9%)، وتلوث ناتج عن الغبار (3.6-4.1%).
ومع ذلك، لا يمثل تلوث الهواء مشكلةً للعاصمة وحدها. هناك مدن أخرى كبرى مثل مومباي وكلكتا، إلى جانب دلهي، تم إدراجها أيضاً في قوائم المدن الأكثر تلوثاً. شهدت مدينة تشيناي خلال احتفالات مهرجان ديوالي، واستخدام المزيد من الألعاب النارية، ما أدى إلى زيادة التلوث الموجود بالفعل، علاوة على الرطوبة المرتفعة نسبياً، وسرعة الرياح المنخفضة، الأمر الذي دفع جودة الهواء إلى مستويات خطيرة.
وبينما تم اتخاذ عدد من القرارات لتحويل المركبات إلى BS VI، وتحويل الوقود المستخدم في الصناعات من الفحم إلى الغاز، وتحويل أفران الغاز إلى تقنية زجزاج (مما يخلق دفعة تدفق هواء متعرج، ويحسن نقل الحرارة من الغازات بالنسبة إلى الطوب).. فإن ما يُلاحظ هو عدم وجود تنسيق بين السلطات على مختلف المستويات. العامل الأكثر أهمية هو طريقة تنفيذ المخططات. لا شك في أن التركيز على مشكلة التلوث والوعي قد تنامى في السنوات القليلة الماضية. فقد أصبحت البلاد تدرك مشكلة التلوث بعد أن بلغت مستويات خطيرة، الأمر الذي أثر على صحة سكان العاصمة والمدن الكبرى، خاصة الأطفال، بينما وعدت الأحزاب السياسية بتحسين جودة الهواء ليصبح أكثر نقاءً.
وما يزال هناك الكثير مما يتعين القيام به من خلال زيادة وسائل النقل العام، وإدخال سياسة مناسبة لوقوف السيارات، وضمان فصل نفايات المدينة بالكامل والتخلص منها وعدم تركها لحرقها. هذا إلى جانب تزويد المزارعين بآلات لمنع حرق الجذامة، وفرض معايير للنظافة على الوحدات الصناعية غير القانونية التي تستخدم وقوداً غير نظيف. إذا تم تنفيذ كل هذه الإجراءات، فستنخفض نسبة التلوث الكلي بشكل كبير وسيقل التلوث ليصبح محصوراً في حدوث ظروف مناخية معاكسة أو خلال فصل الشتاء الذي يشهد ذروة التلوث.
وفي تقرير العام الماضي الصادر عن معهد «هيلث إيفيكتس»، وهو وكالة تمولها الولايات المتحدة، فإن تلوث الهواء يمكن أن يكون مسؤولاً إلى حد كبير عن 120 ألف حالة وفاة بين الأطفال في الهند في الشهر الأول من حياتهم. وبالمثل، يكلف تلوث الهواء الشركات الهندية حوالي 95 مليار دولار، وفقاً لأحد التقارير البحثية. ومع نمو المدن بوتيرة سريعة، من المحتمل جداً أن تتدهور جودة الهواء إذا لم يتم اتخاذ تدابير صارمة على نطاق واسع. فالتلوث له خسائر صحية واقتصادية على حد سواء للبلاد.