إذا كانت قمة الأمم المتحدة للمناخ في جلاسجو هذا الشهر قد تمخضت عن شيء واضح فهو أن معالجة تغير المناخ ستكون مهمة مكلفة. تنقية الطاقة من الكربون مكلفة. ومن المكلف أيضا التكيف مع عالم تتزايد درجات حرارته وأصبحت حرائق غاباته وعواصفه وموجات حرارته أكثر فتكا. وكثير من المجتمعات التي تعاني بالفعل من كوارث المناخ من بين أقل الدول قدرة على دفع قيمة هذه الكلفة.

وكل هذا يعني أن «تمويل المناخ»- المال المطلوب لمكافحة تغير المناخ ومحاولة التكيف معه- أصبح يستأثر بالاهتمام بشكل متزايد. وفي ظل هذا الاهتمام، تتكشف عدم المساواة العالمية الكامنة التي تجعل العمل الجماعي للتصدي لتغير المناخ أمرا شديد الصعوبة. وفي مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ، انتقد مبعوثون من أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، الدول الغنية بشدة لعدم وفائها بوعد تقديم 100 مليار دولار سنويا لمشروعات متعلقة بالمناخ. وكانت الدول الغنية وافقت على خطة الدفع هذه في قمة مناخ أخرى للأمم المتحدة عام 2009 في إقرار بأنها مسؤولة بشكل غير متناسب عن الغازات المسببة للاحتباس الحراري الموجود بالفعل في الغلاف الجوي.

وبحلول عام 2019 كان ما قدموه أقل عن المبلغ الموعود بنحو 20 مليار دولار. وذكر مبعوثون من الدول النامية في مؤتمر العام الجاري أن هذا الشح في العطاء قوّض ثقتهم في عمليات الأمم المتحدة. لكن حتى 100 مليار دولار ليس مبلغاً كبيراً لمعالجة قضية مثل تغير المناخ. وهذا المبلغ ليس كبيراً إذا أضفنا ما يتكلفه إعداد العالم للتكيف مع تغير المناخ في العقود القليلة المقبلة وتقليص الانبعاثات بأقصى سرعة ممكنة. القمة أوضحت أن تغيير نمط الطاقة والبناء والإدارة في العالم- من بناء مزارع توليد الطاقة من الرياح قبالة الشواطئ وإقامة شبكات طاقة ذكية وحواجز للعواصف إلى الحفاظ على الغابات- سيتطلب تريليونات وليس مليارات الدولارات في استثمارات جديدة. فقد ذكرت الوكالة الدولية للطاقة أنه بحلول عام 2030، سيحتاج قطاع الطاقة أربعة تريليونات دولار سنويا على الأرجح حتى تصل انبعاثات الكربون صفر صافي بحلول منتصف القرن.

والإنفاق الحكومي وحده لن يغطي هذا التحول. فقد تحول الاهتمام في جلاسجو إلى الممولين من القطاع الخاص الذي من بينه تحالف جديد لأكثر من 450 بنكا وشركة للتأمين وإدارة الأصول برأسمال يبلغ نحو 130 تريليون دولار. والتزم جميعها بالتخلص من انبعاثات الكربون في محافظهم الخاصة بحلول منتصف القرن بعد القيام بتقليص كبير بحلول عام 2030. والمعلومات غير واضحة بشأن الطريقة التي ستقيس بها هذه المؤسسات المالية نهج «صفر صافي» هذا مقارنة بالأصول أو مدى سرعة تخليهم عن الوقود الأحفوري. لكن التحالف والتزامات أخرى من القطاع المالي تمثل خطوة في الطريق الصحيح، بحسب قول «يانك جليماريك»، المدير التنفيذي لصندوق المناخ الأخضر التابع للأمم المتحدة الذي أقيم لتقديم المال للدول النامية. وتعهد الصندوق بتقديم عشرة مليارات دولار في صورة منح وقروض منذ عام 2015 حين وقعت الدول على اتفاقات في قمة المناخ الدولية الكبيرة السابقة التي عُقدت في باريس.

لكن جليماريك يأمل أن يتمكن الصندوق من البدء في دعم برامج تعهدت الولايات المتحدة ومانحون آخرون بتقديم المزيد من التمويل لها. ويرى «جليماريك» أن دور الصندوق يتمثل في المساعدة في حشد دعم رأس المال الخاص المتمثل في تريليونات الدولارات المطلوبة بالاستثمار في مشروعات قد يعتبرها ممولون من القطاع الخاص عصية للغاية على التنبؤ مثل إقامة محطة لإنتاج الطاقة الشمسية في سوق أفريقية ناشئة. ويرى جليماريك أن الهدف هو تنفيذ هذه المشروعات وإظهار جدواها التجارية مما يحفز الاستثمارات الخاصة.

لكن الأصعب هو جمع التمويل لما يطلق عليه التكيف الذي يتضمن إقامة حواجز للعواصف ومبان قادرة على التكيف وتطوير محاصيل مقاومة للجفاف وجهود أخرى ستتزايد حاجة المجتمعات إليها مع ارتفاع حرارة الكوكب. والدول منخفضة الدخول التي يواجه كثير منها أشد تغيرات المناخ تطرفاً، قد تجد صعوبة في تمويل هذه الاستثمارات المهمة. وفي دهاليز جلاسجو، تشكك مبعوثو دول متوسطة ومنخفضة الدخل فيما يبدو في قدرة رأس المال الخاص على سد الفجوة التي تركها المانحون الأثرياء بتقاعسهم عن الوفاء بأهدافهم في المساعدة.

 وحث اتفاق قمة جلاسجو الذي تم توقيعه يوم السبت 13 نوفمبر على مضاعفة التمويل من القطاع العام في عملية التكيف مع المناخ بحلول عام 2025 صعودا من 20 مليار دولار تم تقديمها عام 2019، وهو جزء صغير من المساعدات المناخية التي تم التعهد بها. لكن الدول الثرية قاومت تقديم المزيد من التعهدات لتعويض الدول منخفضة الدخل عن الخسائر المتعلقة بالمناخ. والواقع أن المؤسسات المالية إذا أعادت توجيه تريليونات الدولارات إلى أصول صافيها صفر كربون، فلن يخصص منها لصالح الدول النامية إلا جزء صغير، نظرا للمخاطر المحتملة.

لكن هذا الجزء الصغير مهم. ويؤكد جليماريك- صندوق المناخ الأخضر- أن إقامة بنية تحتية قادرة على التصدي لتغير المناخ في الجنوب قد يمثل فرصة استثمارية إذا أقدم عليها أولاً الصندوق أو مقرضون آخرون مدعومون من حكومات. وأنشأ جليماريك أيضا صندوق أصول خاصة بقيمة 500 مليون دولار لحماية الشعاب المرجانية والسياحة المستدامة والصيد المستدام في 16 دولة في أفريقيا وأميركا اللاتينية ومنطقة آسيا والهادئ والكاريبي والمتوسط. وتعهد الصندوق بتقديم 125 مليون دولار من هذه الأموال. وأضاف جليماريك «سنكون أول الخاسرين إذا خاب مسعى هذه الأموال لكن إذا أفلح مسعاها، قد توفر الأسهم التي قيمتها 500 مليون دولار هذه التمويل لاستثمارات تتراوح قيمتها بين 2.5 مليار دولار وخمسة مليارات دولار. لقد أظهرنا أن الاستثمار في حماية شعاب مرجانية يمثل استثمارا مشروعا لصندوق معاشات أو بنك».

*صحفي أميركي.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور».