رسمياً يعمل نفتالي بينيت كرئيس للوزراء الإسرائيلي بمقتضي نص الائتلاف الحاكم، والذي يضم ثمانية أحزاب تعمل وفق برنامج ائتلافي عام يجمع كل المتناقضات.

ومع ذلك يظل الائتلاف مستمراً في الساحة السياسية متماسكاً، ومنضبطاً برغم محاولات تكتل «ليكود» إسقاطه، وإعادة تشكيل الائتلاف مجدداً. على جانب آخر، وبصورة غير رسمية تعمل إسرائيل وتصدر قراراتها، وتتبني سياستها هيئات غير رسمية، هي التي توجه صنع القرار في إسرائيل، وتتعامل مع الداخل والخارج معا، وهو ما ينطبق تحديدا على مراكز الدراسات الإستراتيجية والسياسية التي تعد الباب الحقيقي، والمدخل الرئيسي للتوجيه والقيادة، وتحفيز الحكومة الإسرائيلية على تبني سياستها الحقيقية.

ولعلنا تابعنا منذ عدة أيام «مؤتمر هرتسليا للمجالات المتعددة»، والذي حضره قادة الدولة، وعدد كبير من كبار الأكاديميين والسياسيين الحاليين والسابقين، وهو ما يشير إلى أهميته السنوية باعتباره يمثل عقل إسرائيل السنوي، ومخرجات هذا المؤتمر تحديدا كانت منطلقا لأخطر القرارات التي أصدرتها الحكومات الإسرائيلية تباعا، ومنها على سبيل المثال حروب غزة تباعاً، وقرار الخروج من القطاع وفق خطة الانطواء التي تبناها رئيس الوزراء الأسبق شارون، ومن داخل «هرتسيليا» صدرت توصيات تطوير العلاقات مع مصر والأردن وتصدير الغاز إلى البلدين، والالتحاق بإقليم شرق المتوسط، والتخطيط للانفتاح على الدول الكبرى في الإقليم وعشرات القرارات، والمواقف التي تبنتها الحكومة خاصة في التوجهات الراهنة والمخطط لها تجاه تركيا وإيران ودول الخليج.

ليست «هرتسيليا» فقط، بل هناك «مركز السادات بيجين» و«مركز اسحق رابين» و«مركز أورشليم»، وغيرها من بيوت الخبرة التي تضم السياسيين، وكبار العسكريين الذين خرجوا من الخدمة العسكرية والتحقوا في هذه المراكز، وبالتالي فإن كتاباتهم ليست فقط بحثية أو أكاديمية بل هي عملية وتنفيذية أيضا.

والواقع يشير إلى أن صنع القرار في إسرائيل على المستوى الرسمي يعمل في نطاق محدد يسمع، وينصت لمخرجات هذه المراكز بصورة جيدة، وضمن هذا الإطار يندرج حضور رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت إلى هرتسليا مؤخراً ونقله لرسالة مهمة بأن إسرائيل ستتعامل مع الخطر الإيراني، وقد تختلف مع السياسة الأميركية في هذا السياق، وأن على إسرائيل أن تحفظ حقها في الدفاع عن أمنها القومي.

المقاربة الجديدة التي تدفعنا لمتابعة دوائر التأثير والنفوذ غير الرسمي داخل إسرائيل تربط بين بعض هذه المراكز، ومجموعات محددة من الجنرالات والدبلوماسيين السابقين، وهؤلاء يمثلون قنوات مهمة لصنع القرار الحقيقي، والتأثير في التوجهات الراهنة لإسرائيل، وهو ما يتطلب بالفعل متابعة مواقف العسكريين السابقين في الفترات الأخيرة، والذين طرحوا فكرة الانفتاح على العالم العربي، والحوار مع الدوائر العربية، والدعوة للعمل معا في مواجهة المخاطر، والتحديات الراهنة التي تواجه الإقليم بأكمله بل وطرح بعضهم فكرة الانسحابات المتتالية من الضفة الغربية، وتأمين الخروج الإسرائيلي من الأراضي العربية وتحقيق الضمانات الأمنية المنشودة في إطار مشروع غزة 2، وغيرها من الأفكار المهمة التي يجب التفاعل معها، والاشتباك السياسي والاستراتيجي مع أصحابها في ظل مقاربة حقيقية لتنفيذ الرؤى والتوجهات والبناء على ما قد يكون إيجابيا ومهماً.

والنظرة التقليدية لمراكز التأثير، وصنع القرار على المستوى التقليدي لم يعد مجدياً، ومن الضروري النظر إلى الهيئات والأشخاص الآخرين الذين يغذون الحكومة الإسرائيلية، ومؤسساتها بالدراسات والبحوث، وتقديرات المواقف والتقييمات السياسية في ظل ما يجري، ويهم إسرائيل خاصة أن مخرجات ما يتم مرتبط بما تركز عليه إسرائيل، ويتطلب قراءة واعية بما يجري فعليا لهذا نجح رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت في تحقيق المعادلة الصعبة في الاستمرار مع إنصاته جيداً لتوصيات مجموعة «الكبار» في مركزي هرتسليا والأمن القومي (INSS).

مجمل القول إن فهم ما يجري من سياسات وتوجهات في إسرائيل الآن يستوجب إمعان النظر في مؤسسات إسرائيل غير الرسمية التي تعمل وراء ستار، وتصنع سياستها عبر شبكة من التربيطات السياسية والإستراتيجية، والتوجهات المعقدة خدمة لمصالح إسرائيل الكبرى في الإقليم بل وفي العالم.

* أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية والعلوم السياسية.