تسعدنا جداً وتلفت أنظارنا منذ الصغر تلك الألغاز القائمة على إيجاد المتشابهات، واللحاق بها عند مطالعة الصور، حتى ولو كان عدد المخفي عنا يدعو للتوتر بعض الشيء، ولكن ذلك لا ينطبق على المجتمعات والدول عندما يتعلق الأمر بتشابه الفيروسات المنتقلة، وسرعة تفشيها حتى بات العالم ذاته بؤرة متعددة الرؤوس كوحش يحاول أن يلقف طمأنينة الدول، وانتزاع سعادتها! 
لقد استمرت الحكومات ولا تزال في اتخاذ أقصى إجراءاتها الاحترازية، مكرسة كل ما أوتيت من ميزانيات، وقوى وطاقات لمواجهة هذا الفيروس الخبيث، وانتزاع شوكته التي يتفنن بغرزها في قلوبنا عند سماعنا نبأ وفاة عزيز أو قريب جراء غزو ذلك التاجي لبدنه (رحمهم الله جميعاً)، وبالرغم من ذلك كله إلا أن أنسب ما يمكن أن يصف هذه الحال، وبخاصة في ظل توارد المتحورات الفيروسية بـ (لعبة القط والفأر)، التي لا تنفك تزداد تسارعاً، وتعود من جديد وإن بدا أن حدة المواجهة قد خفتت بعض الشيء. 
ولا يمكن الاستمرار في تغافل العوامل والأسباب التي تزيد من حدة المواجهة، فعلى سبيل المثال لا الحصر ينطبق ذلك على الممتنعين عن تلقي جرعات التطعيم، نئياً منهم عما تمليه عليهم مواقع التواصل الاجتماعي من حقائق مزيفة، ونكات تنقلب لفكر راسخ في أذهانهم، سيما أن ذلك من أقصى حالات الأنانية التي شهدها العالم خلال هذه الجائحة، وإن بدت في بادئ الأمر مجرد«حرية شخصية». 
ومن ناحية أخرى، فإن هناك مناطق ودولاً لا تزال تعيش حالة حرمان قاسية من المعدات الصحية، وأعداد اللقاحات، وهي ما وصفها رئيس منظمة الصحة العالمية بـ«معضلة أخلاقية هائلة»، ذلك على الرغم من تقديم العديد من المبادرات، التي تحاول نثر بذورها في أرض اقتلعت خضرتها موجات الفيروسات الفتاكة، من كورونا وأخواتها، والتي لا يزال من الصعب مواجهتها من قبل البلدان الأقل نمواً، وتلك النامية «غير الساحلية»، والدول الجزرية الصغيرة النامية، التي تحمل على ترابها أكثر من مليار نسمة، مما يجعلها الأكثر عرضة للتأثر بفيروس كورونا المستجد، ومتحوراته نظراً لمحدودية وسائلها، وضعف إمكاناتها، هذا مع عدم الالتفات لما تواجهه من مشاكل ومعوقات اقتصادية واجتماعية أخرى. 
ومع تقديم ما يزيد على ستمائة مليون جرعة لقاح في 161 دولة حول العالم، لا يزال الطريق طويلاً. والمكتب القومي للأبحاث الاقتصادية في أميركا (National Bureau of Economic Research)، من تقدير التكلفة الاقتصادية العالمية للجائحة، والتي تقع على عاتق الدول الغنية بمبلغ يتراوح بين (1.8) و(3.8) تريليون دولار، في حال بلوغ نسبة 50% من المطعمين في الدول النامية، يجعل من الإجراءات القادمة أكثر حزماً وسرعةً لتفادي وقوع كبرى دول العالم وأثراها بمأزق اقتصادي أكبر، سيما أن ترابط التأثير الصحي بات يشكل شبكة عنكبوتية يعني تمزق أحد أطرافها فنائها ككل. وعليه، فلا بد من إصدار القرارات، التي تكفل التوزيع العادل للقاحات ومدعماتها حول العالم، لتلافي ولادة بؤر جديدة، ولسمو إنسانية العالم على مصالحه الشخصية، وهذا أقل ما يمكن تقديمه بعد الدرس الإنساني والأخلاقي الذي لقننا إياه هذا العالم بكوارثه وتجاربه المتعاقبة. 

أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة