عام 2021 هو عام مميز بحق لدول الخليج العربي، فقد تم خلاله طي صفحة من الخلافات العالقة أثناء قمة العلا في بدايته (5 يناير)، وجاءت في نهايته قمة الرياض التي انعقدت أول أمس الثلاثاء (14 ديسمبر) بحضور أصحاب الجلالة وأصحاب السمو من قادة دول مجلس التعاون الخليجي في الدورة الـ42 للمجلس، لذلك  التفاصيل يحق لنا أن نسميه عام الخير والرفاه ودفء العلاقات في البيت الخليجي.
وقبيل القمة الخليجية بأيام قام ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بجولة مثمرة بين دول الخليج، تم خلالها تنسيق المواقف بين أعضاء المجلس من خلال المجالس التنسيقية في كل المجالات السياسية والعسكرية والشراكات التجارية، والصفقات والمجالات الثقافية والرياضية وغيرها. وهذه المجالس التنسيقية في حقيقتها تعمل بشكل ثنائي منظم وتختصر الوقت والمباحثات لخلق جو من التناغم في المواقف وتمهيد الأرضية الخصبة لأي أطروحات ومشتركات قادمة. 
القضايا المطروحة على طاولة المجلس لهذه الدورة يتصدّرها الاتفاق حول النووي الإيراني الذي تسعى دول المجلس لبلورة موقف موحد تجاهه من خلال متابعة مباحثات فيينَّا المتعلقة بهذا الملف ومفاوضاته والتي ما تزال متعثرة حتى اليوم. كذلك يُطرح على طاولة النقاش موضوع النفط والطاقة الهيدروكربونية والغاز في دول الخليج. وهذا إضافة لقضايا إقليمية أخرى على أجندة اهتمام المجلس، مثل العراق والسودان وليبيا واليمن وسوريا.
وقد جاءت قمة الرياض تأكيداً على نتائج قمة العلا وتحقيق رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز التي أقرها المجلس الأعلى في عام 2015 خلال أعمال الدورة الـ36، وهي الرؤية التي تؤكد على وحدة الصف الخليجي وتحقيق تطلعات مواطنيه، واستكمال مقومات الوحدة الاقتصادية وبلورة سياسة خارجية موحدة وفاعلة. 

وقد لمس المتابع لقمة الثلاثاء الماضي روح التفاعل والإيجابية من خلال البيان الختامي للقمة، والتي كان من أهم مخرجاتها التأكيد على ضرورة بذل جهود مشتركة لمواجهة جميع التهديدات، وأن أي هجوم على دولة عضو يعد هجوماً على جميع الأعضاء الآخرين، والتأكيد على أهمية بناء التحالفات في مجال الأمن السيبراني، ومتابعة تنفيذ المبادرات حول التغير المناخي، وأهمية التحول الرقمي في دول المجلس، ودعم وتعزيز دور المرأة والشباب في الاقتصاد والأعمال وإنجاز الرؤى الاقتصادية وفرص الاستثمار بين دول المجلس، والتأكيد على احترام مبدأ السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وأهمية مشاركة دول مجلس التعاون في أي مفاوضات دولية مع إيران وضرورة معالجة البرنامج الصاروخي الإيراني. كما أكد البيان على تقاسم رؤية واحدة مشتركة تجاه مختلف الملفات، وهو أمر بات اليوم أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، في ظل ما يمر به العالم، ومنطقة الخليج تحديداً، من تغيرات جيواستراتيجية تتطلب توحيد المواقف والرؤى.
في يناير الماضي جاء اتفاق العلا كانفراجة في العلاقات الخليجية والعودة لعهدها السابق من التناغم وانسجام المواقف، كما جاء لقطع الطريق على كل من استخدم الخلافات البينية من مرتزقة ومنتفعين ممن يقتاتون على التباينات بين أهل الخليج. وفي يومنا هذا، ومع دخول لاعبين دوليين وإقليميين لتشتيت الكيان الخليجي، إعلامياً وحزبياً أو حتى من خلال أطراف تتبع لبرلمانات ولوبيات مدعومة يسارياً، فإن المواقف والتفسيرات يجب أن تكون أكثر موضوعية، خصوصاً من أبناء المنطقة، وذلك بعدم الانجراف خلف كل ناعق ومتربص، والتأكيد على أن التحالفات بين أي دولة من دول الخليج وأطراف خارجية أياً كانت، إنما هي تحالفات قد تكون مدروسةً ومتفقاً عليها تمهد لمراحل أكثر ازدهاراً، أو على أقل تقدير تحالفات نافعة على المدى البعيد لصالح المنطقة. فالمصالح متغيرة والسياسة ينبغي أن تتبع هذه المتغيرات، كما يجب أن تكون الغيوم التي مرت بها منطقة الخليج في السنوات الماضية وما رافقها من تداعيات درساً للمستقبل للمبادرة برأب أي صدع يتعرض له البناء الخليجي. 
وأخيراً.. من أهم المقومات السياسية في منطقة الخليج الارتكاز إلى رؤية الآباء المؤسسين للمجلس -رحمهم الله- والتمسك بالبناء القوي الذي شيدوه قبل ما يقارب 42 عاماً من علاقات أخوية صلبة ومتناغمة في السراء والضراء، وهذا بالفعل هو الطريق الذي رسموه وأرسوا قواعده وسار عليه الأبناء حتى يومنا هذا.

كاتبة سعودية