لكل دولة وشعبٍ وأمةٍ أولوياتٌ تختلف عن الآخرين، هذا جزء من طبيعة الحياة والبشر، فأولويات الدول الغربية تختلف عن الدول الشرقية، وتختلف كذلك عن أولويات دول الشرق الأوسط في العديد من المجالات المهمة والمسائل الملحة.
هذا الاختلاف ما دام من طبائع الأشياء، يحث على فهمه والإقرار به ومن ثم التعامل معه بعيداً عن أي تفسيراتٍ وتأويلاتٍ تتحدث عن «مؤامرةٍ» من شكل ما تدار في الخفاء أو العلن، لأن هذا الفهم يجعل من الممكن التعامل مع الأحداث والمواقف السياسية والاقتصادية والثقافية بحيادية علمية واستقلالٍ فكري ويهدئ من المواقف المتشنجة.
الموقف من جماعات الإسلام السياسي -على سبيل المثال-يختلف كثيراً بين الدول العربية والدول الغربية، فالعلم المكسب للمعرفة والتجارب التي تؤدي إلى الخبرة والتحدي المباشر الذي يدفع باتجاه الواقعية، كلها تصب في مصلحة الوعي العربي مقابل الغربي.
هذا من حيث الأصل والأساس الذي تبنى عليه المواقف والسياسات والاستراتيجيات، وتحدد الأهداف والغايات ثم يأتي بعد ذلك كله نقاش المصالح المتناقضة بين الجهتين والأولويات والرؤى المتباينة والتعامل المختلف، وقد استثمرت الدول الغربية طويلاً في جماعات الإسلام السياسي في الدول العربية والإسلامية، وقدمت لها الدعم المالي والحقوق والإعلامي، وأمنت لها الملاذات الآمنة والاستثمارات الضخمة بحيث تستطيع استخدامها في أي وقتٍ ضد الدول والحكومات والشعوب، جرى هذا مع «جماعة الإخوان» والعشرات غيرها، وصولاً لتيار «السلفية الجهادية» وما تفرّع عنه من «تنظيماتٍ إرهابية».
اكتشفت بعض الدول الغربية متأخرةً، ومتأخرةً جداً، بعض الحقائق المكشوفة منذ سنواتٍ ليست بالقصيرة التي كانت تعلمها جيداً الدول العربية وتؤكد عليها وتشرحها بالتفاصيل، ومن تلك الحقائق الواضحة والجليّة هي أن بعض الدول الإقليمية -غير العربية-قد استثمرت في «تنظيم القاعدة» وجنّدت قياداته ووظّفت عناصره المتحمسة دينياً لخدمة أجندات تلك الدولة، وصنعت الأمر ذاته مع «تنظيم داعش» الإرهابي في العراق وسوريا كما في اليمن ومصر وغيرها، والجديد اليوم هو أن بعض هذه الدول الغربية اضطرت تحت ضغط الحقائق والمعلومات أن تعترف برعاية تلك الدولة الإقليمية لهذه التنظيمات الإرهابية.
ليس هذا الموقف مبنياً على معلوماتٍ جديدةٍ لم تكن معروفةً من قبل أو حدثٍ خطيرٍ كشف الأسرار وأبان المستور، بل هو تعبيرٌ عن عجزٍ كاملٍ عن مواصلة رفض الحقائق وعجزٍ عن إيجاد تأويلاتٍ تمكّن من استمرار ابتزاز الدول العربية التي باتت لا تأبه كثيراً لمواقف تلك الدول الغربية ولا مؤسساتها الحقوقية والإعلامية بعد افتضاح أمر تلك المؤسسات في أكثر من ملفٍ مهمٍ لدول المنطقة وشعوبها.
الشعوب العربية التي اصطلت بنيران هذه التنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة وجرّبت الشرور والدماء والدمار الذي ينتج عنها جميعاً لم تعد تعبأ بالغرب ومنظوماته السياسية والحقوقية والإعلامية والثقافية، فيما يتعلق بجماعات الإسلام السياسي وتنظيمات العنف الديني، وهي تثق كل الثقة بنجاحات دولها وحكوماتها المستمرة في مواجهة هذه الظاهرة الدموية القاتلة.
«اليسار الليبرالي» في الغرب متحالفٌ مع هذه الجماعات والتنظيمات، وهو يدافع عنها كما يدافع عن تيارات «الشذوذ الجنسي»، وهو سعى لتحويل الأولى لأقليات ضاغطةٍ وديكتاتورية أقلويةٍ كما صنع مع الثانية لديه، وسيكتشف لاحقاً أن «إجبار» البشر والشعوب على تغيير أديانها وثقافاتها وأخلاقها مهمةٌ مستحيلةٌ لن تتحقق، وأن الاستثمار في هذين المجالين محكومٌ عليه بالفشل.
أخيراً، فمثيرٌ للدهشة حقاً أن تجد بعض رموز الإسلام السياسي وممثليه في الغرب يتحالفون مع جماعات الشذوذ علناً في الحملات المنظمة أو المظاهرات باعتبارها أقرب إليهم من دولهم وشعوبهم بعيداً عن «الدين» الذي يتمسحون به ويدّعون تمثيله، وأكثر إدهاشاً أن يتوقع الغرب أن تستجيب شعوب المنطقة لكل هذا العبث. 

كاتب سعودي