على الرغم من التصفيق العالمي للموارد والوسائل التكنولوجية التي خدمت الإنسان في أحلك الظروف ومثلت يد عون أقل تكلفة، وأكثر جودة وإنجازاً في ظروفه الرخوة والقاسية على حد سواء، فإن ذلك يحمل معه العديد من عوامل الخطورة والقلق من طبيعة تلك التطورات وما تحمله من مستجدات. 
إن «الخطر الصامت» المتعلق بالهجمات السيبرانية، والذي يتكاثر ويتقافز على أكتاف العالم بصمت، تماماً كمبدأ الخلايا السرطانية التي غالباً ما تفاجئ الإنسان دون سابق إنذار، لا يختلف عن الهجمات الفعلية على أرض الواقع. وإن الآليات والوسائل المتوافرة تتجاوز المدى المتاح من المعلومات والتنبيهات المؤذنة بوجود خطر ملموس، إذ تتعدى ذلك لتكون أكثر إحاطة بما يمكن وقوعه من تهديدات جديدة، وبخاصة تلك التي لمع نجمها آخر عقد من تفوقات متسارعة في مجال الابتكارات الرقمية آلت لاستيعاب نقاط ضعف جديدة، وثغرات يعتبر التسرب من خلالها كارثة. وتكفي الإشارة في هذا المقام لما تؤثر به وسائل التواصل الاجتماعي في الاتجاهات الفكرية، وبناء الرأي، و«أتمتة الأدمغة» على نسق معين يُعنى بالتأثر والتأثير المضاد. وذلك إلى جانب «الأوبئة الإلكترونية» المتمثلة في اختراق البيانات، وفي الهجمات الإلكترونية المنظمة. 
وفي حين تكبَّد العالمُ خسائر هائلة جراء الحوادث الإلكترونية المتعلقة باختراق البيانات فقط خلال الفترة الواقعة بين عام (2017 - 2019)، بحسب تقرير تهديدات الإنترنت لعام 2020، وفي قياس مدى تأثير تلك العوامل التي لم تعد حبيسة العالم الافتراضي، فإنها تمثل القلادة التي إن نزعت منها خرزة سقطت قطعة تلو الأخرى، وهو ما أثبته تصريح شركة «سونيكوول» (SonicWall)، التي تعتبر الشريك الأمني الذي يُقدّم خدمات الحماية لأكثر من مليون شبكة تجارية حول العالم. لقد بلغت نسبة الخسائر الاقتصادية 78% بسبب ما وقع خلال الفترة آنفة الذكر من هجمات إلكترونية.
إن الدافع لهذا الطرح ليس وليد اللحظة، وإنما هو رد فعل لما شهدته الفترة السابقة، وبخاصة في ظل ولادة نظام عالمي جديد، وتقادم سريع جداً تصحبه كثافة في الحوادث السيبرانية، ليرتفع مؤشر تلك الاختراقات إلى ثمان وثمانين حادثاً سيبرانياً على مستوى الحكومات خلال عام 2020، رغم أنه اقتصر على ثماني حوادث فقط عام 2005، وذلك بحسب برنامج تعقب العمليات الإلكترونية لبرنامج السياسة الرقمية والفضاء الإلكتروني في مجلس العلاقات الخارجية (CFR) الذي يُعنى بتعقّب العمليات السيبرانية. 
لقد تجاوزت حاجة العالم مرحلةَ استيعاب المفاهيم، من دون سابق إنذار، لتطمح على عجل للابتكار فيها، وتطويرها من قبيل المحاولات المانعة لتسرب أي من عوامل التحديات الجديدة التي قد تزيد من حدة أزماتها، وتضيف عبئاً على قائمة مسؤولياتها. الأمر الداعي للاهتمام بكافة الارتباطات ذات الصلة بالأمن السيبراني، ووسائل تحقيقه، والمحافظة الدورية على تحليل الحالة السيبرانية، من خلال الاستناد إلى التحليلات الدقيقة، وربطها بالأجهزة الأمنية، وقياس مدى فاعليتها ومستوى أدائها، والمحافظة على ديمومة تطويرها وتحديث خبراتها، وصولاً لتطوير الأدوات الرقمية الحكومية، وبنائها الجهات القادرة على استيعاب فروع التطورات التكنولوجية الهائلة، وتطوير قوالبها وكيفياتها.. بحيث تتشارك وكبريات الجهات العالمية الضليعة في هذا المجال للاستفادة من الخبرات، والتواصل في تحقيق الأهداف من خلال سلسلة تعاونية تشاركية مجدية، تدفع بحوكمة الأمن السيبراني. 


أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة