في يوم الأربعاء الماضي، أعلن مجلس الاحتياطي الفيدرالي أنه يخطط لجعل السياسة النقدية أقل سهولة بسبب المخاوف بشأن التضخم. بعض التغطية الإعلامية جعلت الأمر يبدو وكأنه نقطة تحول، ورفض مفاجئ لكل ما قاله جيروم باول وزملاؤه. ولكن بعد قراءة بيان الاحتياطي الفيدرالي، ندرك أن الاحتياطي الفيدرالي ما زال يرى أن جزءاً كبيراً من التضخم الأخير هو فترة عابرة، لكننا نفضل قول إنه سيستمر لفترة قصيرة.

يقول البيان الفعلي: «لا تزال اختلالات العرض والطلب المتعلقة بالجائحة تسهم في ارتفاع مستويات التضخم». ولا تزال توقعات الاحتياطي الفيدرالي تتضمن مزيجاً من انخفاض التضخم وتراجع البطالة.
هناك أسباب وجيهة لهذا التقييم المتفائل. لكن الاحتياطي الفيدرالي كان مخطئاً بشأن التضخم حتى الآن. فماذا لو أخطأ مرة أخرى؟
دعونا نراجع التاريخ. على الرغم من أننا نتحدث كثيراً عن التضخم في السبعينيات، إلا أن الألم الحقيقي جاء في الثمانينيات، حيث حاول بنك الاحتياطي الفيدرالي بقيادة بول فولكر خفض التضخم. لقد نجح الأمر ولكن بثمن باهظ.
تضمن خفض التضخم الأساسي من 10 إلى 4% تقريباً ارتفاعاً هائلاً في البطالة، واستغرق الأمر وقتاً طويلاً لتغيير ذلك. وعلى الرغم من الحملة الإعلانية التي كانت تحمل عنوان «الصباح في أميركا»، لم يعد معدل البطالة إلى مستواه قبل فولكر حتى نحو نهاية إدارة ريجان.
ليس من الواضح تماماً ما إذا كانت هذه الموجة الهائلة من البطالة ضرورية. وفقاً للأبحاث المؤثرة باستخدام بيانات على مستوى الولايات، فإن العامل الرئيسي في تراجع التضخم في حقبة فولكر كان التغيير الكبير في التوقعات العامة التي كان من الممكن تصورها دون حدوث مثل هذا الركود الحاد. لكن في الوقت الحالي، لا تزال الفرضية العملية لمعظم الاقتصاديين هي أن الأمر استغرق فترة تراجع سيئة ومستدامة لإنهاء التضخم الذي حدث في السبعينيات.
فهل سنشهد شيئاً مماثلاً في مستقبلنا؟ ربما لا، لأسباب عدة. أحد هذه الأسباب هو أنه على الرغم من الأرقام الرئيسية المرتفعة مؤخراً، من غير المحتمل أن يكون التضخم الأساسي بحلول نهاية 2022 قريبا بأي حال من الأحوال من مستويات 1980. التدابير القياسية حالياً غير موثوقة بسبب ظروف «الجائحة» - من كان يعلم أن السيارات المستعملة يمكن أن تلوح في الأفق بشكل كبير في الإحصائيات؟ ولكن من المحتمل أن تكون الإجراءات الأكثر قوة مثل تضخم «السعر الثابت» لبنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا أو «المتوسط المنخفض» لبنك الاحتياطي الفيدرالي في دالاس تشير إلى أن تراجع التضخم في عهد باول، إذا كان لابد من حدوثه، سيبدأ من 3 أو 4%، وليس 10% كما كان الحال في عهد فولكر. في الواقع، ستكون نقطة البداية لمثل هذه الضائقة تقريباً هي نقط النهاية في ضائقة فولكر، مما يثير التساؤل عن سبب إزعاجنا.
حتى لو افترضنا أنه سيتعين علينا خفض التضخم إلى 2% من 3 أو 4% على سبيل المثال، فإن هذا يمثل ثلث أو ربع تعديل الثمانينيات فقط. وهناك أسباب للاعتقاد بأن التكلفة ستكون أقل مما تشير إليه المقارنة.
اقترح عدد من الاقتصاديين أن التضخم الحالي يبدو أشبه بما حدث خلال الفترة بين 1946 و1948 من ذلك الذي حدث في السبعينيات. تعتبر المقارنة بين الفترتين أمراً صعباً، ويرجع ذلك جزئياً إلى عدم وجود مقاييس قياسية للتضخم الأساسي تعود إلى هذا الحد، وكان التضخم الإجمالي غير مستقر حيث كانت لا تزال العائلات تنفق ثلث دخلها على الطعام. لكن إحدى الطرق التقريبية والجاهزة للحصول على شيء مثل التضخم الأساسي في الأربعينيات من القرن الماضي هي النظر إلى أسعار الخدمات، التي كانت أقل تقلبا بكثير من أسعار السلع.
يبدو أن تراجعا بمقدار 5 أو 6 نقاط في التضخم الأساسي، يمكن مقارنته تقريباً بما حدث في الثمانينيات. لكن تكلفة البطالة المرتفعة كانت أقل بكثير. كانت هناك فترات ذروة مماثلة، لكنها كانت أقصر بكثير في الأربعينيات.
فلماذا الاختلاف؟ بحلول 1980، شهدت أميركا سنوات عديدة من التضخم المرتفع، لذلك كان من الصعب إقناع الناس بأن عصر التضخم قد انتهى. لم يكن هذا صحيحاً في الأربعينيات، عندما كان بعض رجال الأعمال البارزين لا يزالون يراهنون على عودة الكساد الكبير.
إذا أين نحن الآن؟ إن التضخم المرتفع مستمر منذ أقل من عام، مما يشير إلى أنه من السهل نسبيا التخلص منه. تم تحديد هدف التضخم البالغ 2% لبنك الاحتياطي الفيدرالي منذ عقدين من الزمن، استناداً إلى حد كبير إلى التحليلات الاقتصادية التي تبين أنها خاطئة -لا سيما الاعتقاد بأن الأوضاع التي لم تكن فيها حتى معدلات الفائدة الصفرية منخفضة بما يكفي لتحقيق التوظيف الكامل ستكون نادرة. هناك بالفعل حالة جيدة جداً مفادها أننا سنكون أفضل حالاً في المتوسط بنسبة تضخم تبلغ 3% أو أكثر مما سنكون عليه إذا عدنا إلى نسبة 2%.
لذلك قد تكون هناك معضلة حقيقية في المستقبل. لنفترض أننا وجدنا أنفسنا بعد عام من الآن مع نسبة تضخم تبلغ 3%، ومن الواضح أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيتعين عليه فرض ركود معتدل على الأقل –يكلف مئات الآلاف إن لم يكن ملايين الوظائف، على الأقل لفترة من الوقت –للعودة إلى نسبة 2%. هل سيكون هذا الثمن يستحق الدفع؟
في الوقت الحالي يراهن بنك الاحتياطي الفيدرالي على أن هذه المعضلة لن تنشأ. دعونا نأمل أنه على حق.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»