مع اشتداد الأزمة غير المسبوقة التي يشهدها لبنان منذ أكثر من سنتين، وقبل زيارة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، صدر تقرير عن اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (أسكوا) تحت عنوان «الفقر المتعدد الأبعاد في لبنان: واقع أليم وآفاق مبهمة»، حذّر من مخاطر تداعيات مضاعفة نسبة الفقر من 42% عام 2019 إلى 82% عام 2021 ، فيما طاول الفقر المدقع ثلث السكان، أما الفقر المادي فقد تجاوزت نسبته 70% من السكان. وأشار التقرير إلى أن الصدمات المتداخلة لسعر صرف الليرة، ولّدت ضغوطاً هائلة، فانخفضت قيمة العملة، وارتفع التضخم بنسبة 281%، وتفاقم الفقر إلى حد كبير.

لكن اللافت ما أوضحته الأمينة التنفيذية للأسكوا، رولا دشتي، من «أنه يمكن للعشر الأغنى من اللبنانيين الذين يملكون ثروة قاربت 91 مليار دولار في عام 2020، تسديد تكلفة القضاء على الفقر بتقديم مساهمات سنوية لا تتعدى 1% من ثرواتهم، مشددةً على أهمية التضامن والتعاون بين مكونات المجتمع للحد من تداعيات الأزمة»، لكن تحقيق ذلك مرهون بتوافر بيئة سياسية مناسبة ودعم من المجتمع الدولي.

وفي ظل تطور المؤشرات السلبية، ومظاهر تداعيات الانهيار الاقتصادي، ومع مساعي المجتمع الدولي للحؤول دون الارتطام الكبير وإمكان تحوّل لبنان إلى دولة «فاشلة» (وفق تحذير مسؤول في البيت الأبيض)، بدأ الأمين العام للأمم المتحدة زيارتَه بتصريح في المطار قائلا: «أنا اليوم هنا للتضامن مع الشعب اللبناني»، غير أن الرسالة التي حملها غوتيريس إلى المسؤولين تجاوزت النطاق التضامني، نحو ترسيخ ثلاثية دعم أممي للبنان بجيشه وشعبه ومؤسساته الأمنية، واستمرار هذا الدعم أساسي لاستقرار لبنان.

وشملت رسائله إلى المنظومة السياسية الحاكمة، إدانةً وتنديداً بسلوكها الذي ساهم بانهيار الدولة، إلى درجة المجاهرة بحث المسؤولين «على أن يستحقوا شعبهم»، بما يعنيه ذلك من كونهم بنظر الأمم المتحدة ليسوا أهلاً لتولي سدة الحكم والمسؤولية.

وفي معرض إضاءته على فشل المنظومة في تلبية طموحات شعبها، بإعادة «ترميم الاقتصاد وتفعيل الحكومة وإجراء الإصلاحات المطلوبة، وإنهاء الفساد والحفاظ على حقوق الإنسان، وصف غوتيريس الانتخابات النيابية المرتقبة في الربيع المقبل بأنها «مفتاح الحل»، داعياً الشعب لاختيار حكامه، وأكد ذلك بقوله: «آن الأوان للسياسيين أن يتحدوا ويتجاوزوا الانقسامات والاختلافات، وللمجتمع الدولي أن يعزز دعمه للشعب اللبناني ليستعيد الحياة والازدهار اللذين تميز بهما لبنان في السابق، وهو ما يتماشى مع إحدى أقدم الحضارات في العالم».ويستَشَف من تطورات متقاطعة، وجود توافق دولي وإقليمي لمنع سقوط لبنان في الفوضى جراء تحوله إلى دولة فاشلة. وتتساوى في هذا القلق واشنطن وباريس والعواصم الأوروبية، وحتى روسيا، حرصاً منها على ألا تضاف دولة جديدة إلى الدول التي باتت ساحات للتدخلات بأنواعها، وتسعير النزاعات الطائفية.

لذلك توقف المراقبون باهتمام بالغ لقراءة التحرك الدولي نحو إدارة خطة إنقاذية، من خلال تمويل يهدف إلى تنشيط خدمات أساسية لدعم الشعب اللبناني، حتى إن الفرنسيين لا يمانعون بنشر قوة عمليات دولية تحت إشراف الأمم المتحدة والبنك الدولي، لتعزيز الأعمال الإنسانية، إضافة إلى أعمال تنموية من مياه وكهرباء، وإعادة إعمار مرفأ بيروت واستثماره. ومن هنا قد يخضع لبنان لرقابة دولية صارمة، خصوصاً لجهة إتمام الانتخابات النيابية التي ستكون محطةً مفصليةً في تحديد «وظيفته» في المرحلة المقبلة، على ضوء ما تفرزه التطورات الإقليمية والدولية.

*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية