خلال مناظرة في مجلس الأمن حول تغيّر المناخ العالمي، اقترحت المملكة المتحدة في 17 أبريل 2007 أن تغير المناخ يهدد السلم والأمن الدوليين من خلال آثاره على نزاعات الحدود، والهجرة، ونقص الموارد والإجهاد الاجتماعي، والأزمات الإنسانية، وقد أدت النقاشات حول اعتبار تغير المناخ كقضية أمنية إلى زيادة الاهتمام الدولي في حل هذه المشكلة من خلال طرح قضية تغير المناخ في المحافل الدوليـة، والتأكيد على ضرورة العمل والتنسيق الجماعي ما بين الدول لإيجاد حلول لهذه القضية.
وصرح كوفي عنان الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة أن «تغير المناخ هو أيضاً تهديد للسلام والأمن. تغير أنماط هطول الأمطار على سبيل المثال، يمكن أن يزيد من التنافس على الموارد، والوضع في حركة التوترات والهجرات يمكن أن يزعزع الاستقرار، لا سيما في الدول الهشة أو المناطق المضطربة. هناك دليل على أن بعض من هذا يحدث بالفعل، وأكثر من ذلك فقد يكون وشيك الوقوع». وقد اعتبر الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية المشتركة والمفوضية الأوروبية في تقريره المعنون بـ«تغير المناخ والأمن الدولي»، تغير المناخ بأنه «التهديد المضاعف الذي يؤدي إلى تفاقم الاتجاهات الحالية والتوترات وعدم الاستقرار»، ما يشكل «المخاطر السياسية والأمنية التي تؤثر بشكل مباشر على المصالح الأوروبية».
وقد رأت «جوليا غروفوغل» أن معالجة تغير المناخ يمكن اعتباره رهاناً أمنياً من خلال ثلاث مقاربات:
1- تغير المناخ بوصفه مصدراً للصراع داخل الدول أو فيما بينها، وخاصة من خلال تغير توافر الموارد «مثل المياه»، أو السلامة الإقليمية للدولة «بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر على سبيل المثال».
2- تغير المناخ كتهديد يومي للأمن الإنساني، مما أدى إلى تهديد حياة السكان على سبيل المثال «تكرار حدوث الكوارث الطبيعية».
3- تغير المناخ بوصفه تهديداً للبيئة والتنوع البيولوجي. كان العامل الرئيسي في تبلور «أمننة قضية تغير المناخ» هو طرحها على جدول أعمال كبرى المنظمات الدولية العالمية كالأمم المتحدة، وحتى على مستوى السياسات العامة للدول، وتجلى ذلك من خلال كيفية طرح الخطاب السياسي المرتبط بالشواغل الأمنية حول التدهور البيئي جراء تغير المناخ وما يتسبب فيه من آثار سلبية على كل مجالات الحياة الإنسانية والتي قد تهدد أمن الفرد والدول والمحيط الإيكولوجي، فقد تمتد هذه الآثار إلى أبعاد عدة من الأمن الإنساني.
يمكن تعريف «البصمة البيئية» بأنها مؤشر لقياس أثر الضغوط التي تتعرض لها الموارد والنظم البيئية المتجددة نتيجة الأنشطة البشرية في العالم أو منطقة ما «الإنتاج والاستهلاك». ويرتفع معدل بصمة الفرد كلما زادت الضغوط التي تنتج عن أنشطته، وتعريف «القدرة الحيوية» بأنها مقدار ما توفره المساحات المنتجة «برية وبحرية» من موارد وخدمات تكفي لمعيشة الإنسان والتخلص مما ينتجه من مخلفات وملوثات، أما «الهكتار العالمي»، فهو وحدة لقياس البصمة البيئية، ويتم احتسابها من خلال قسمة مساحة الأراضي المنتجة «القدرة الحيوية» على عدد السكان في منطقة ما أو في العالم.
منذ قيامها في الثاني من ديسمبر عام 1971، شهدت دولة الإمارات العربية المتحدة نهضة تنموية غير مسبوقة وفي مدىً زمنيٍ قصير نسبياً أثرت على مختلف أوجه الحياة فيها. وعلى الرغم من المحاولات الجادة التي بذلتها الدولة لإدماج الاعتبارات البيئية في خطط التنمية الشاملة، إلّا أن ذلك لم يمنع حدوث مجموعة من التأثيرات السلبية التي صاحبت عملية التنمية، ومن بينها ظاهرة الإنتاج والاستهلاك غير المستدام، فالعوامل المؤثرة في أنماط الإنتاج والاستهلاك كالنمو السكاني بارتفاع عدد السكان في الدولة من حوالي نصف مليون نسمة في عام 1975 إلى أكثر من 8 ملايين نسمة في عام 2010، نتجت في معظمها عن استضافة عددٍ كبير من الأيدي العاملة للمشاركة في النهضة التنموية.
وقد شكلت هذه الزيادة الهائلة ضغطاً مستمراً على الموارد والنُظُم البيئية، أو ارتفاع مستويات الدخل التي جاءت مع ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية، وتوجيه المداخيل التي تحققت نتيجة لذلك في إقامة نهضة تنموية شاملة، طرأ تحسين كبير على مستوى دخل الفرد من الناتج القومي الإجمالي، ما جعل دخل الفرد في دولة الإمارات من أعلى المعدلات في العالم.
وقد ساعد هذا الارتفاع في تعزيز القدرة الشرائية للمواطنين والمقيمين، وكذلك النمو الاقتصادي باتباع دولة الإمارات نهجاً اقتصادياً منفتحاً، حيث شهدت التنمية الاقتصادية في الدولة تحولات مهمة، فبعد أن كان اقتصادها يعتمد بصورة رئيسية على النفط كمصدر رئيسي للدخل، نجحت سياسة تنويع مصادر الدخل في بناء قطاعات اقتصادية باتت تشكل الآن حوالي 70% من الناتج المحلي مقابل 30% فقط لقطاع النفط. ومن المنتظر أن يستمر هذا التحول مع تركيز السياسات الاقتصادية في الدولة على الاقتصاد المبني على المعرفة، ومستقبل ما بعد النفط، فقد تضافرت هذه العوامل وغيرها من العوامل، كالتنوع الثقافي وتأثير وسائل الدعاية والإعلان، في نشوء ظاهرة الاستهلاك المفرط للموارد، والتي يتجلى أثرها بوضوح في ارتفاع معدل البصمة البيئية للفرد في الدولة، حيث يظلُّ - رغم انخفاضه التدريجي - واحداً من أعلى المعدلات في العالم.
الأسبوع المقبل، نتحدث عن الأمن البيئي في دولة الإمارات العربية المتحدة، وعن أهمية استضافة العاصمة أبوظبي، في عام 2023، مؤتمر الدول الأطراف في الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ «COP28»، وهو ملتقى لقادة العالم وأبرز الخبراء وصانعي القرارات والناشطين الدوليين لمواصلة جهود العمل المناخي والتصدي للتحديات العالمية ودفع عجلة التنمية الاقتصادية المستدامة.

*لواء ركن طيار متقاعد