قبل عام، وبالنظر إلى الشرق الأوسط الذي ورثه جوزيف بايدن عن سابقيه، اقترحت أن يتبنى بايدن نهجاً جريئاً ومبتكراً تجاه المنطقة. وأصبح تبني مثل هذا النهج أمراً مهماً، مع الأخذ في الاعتبار الظروف الصعبة التي تواجه المنطقة واتصال الصراعات الدائرة فيها ببعضها البعض واحتوائها على مزيج من مجموعة صفات وقضايا متشابهة ذات اهتمام مشترك.

ولم يعد بوسع الولايات المتحدة الادعاء بأنها الزعيم الوحيد للعالم بعد الحرب الباردة. كما أن للعواقب الوخيمة لفشل بوش الذريع في العراق ولعقود من الإهمال الأميركي أو السياسات الأميركية الفاشلة دور في ترسيخ توجهات سلبية ومفاقمة الصراعات وإذكاء التطرف.

وبدلاً من تناول الولايات المتحدة كل صراع وكل مشكلة على انفراد، وهي السياسات التي لم تجد نفعاً في الماضي ولن تجدي نفعاً الآن، اقترحت شيئاً قريب الشبه بنهج مجموعة الخمس (الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن) بالإضافة إلى واحد (ألمانيا) للتوصل إلى مبادرة شاملة لتعزيز الأمن في المنطقة.

واختارت إدارة بايدن، فيما يبدو، نهجاً هادئاً لا يتوقع الكثير ويستخدم الدبلوماسية الهادئة وطريقة إدارة الصراع، وهو النهج نفسه الذي فشل في الماضي. ومع كثرة الصراعات ودون ظهور حلول في الأفق، أخذت بعض القوى الإقليمية على عاتقها تهدئة التوترات ودعم الاستقرار والأمن.

وربما تكون الإمارات العربية المتحدة هي أهم الضالعين في سياسات الشرق الأوسط الجديدة. لقد شرعت الإمارات في تدشين دبلوماسية رائدة مع القوى غير العربية الثلاث في المنطقة وهي إسرائيل وتركيا وإيران. وعززت العلاقات الاقتصادية مع كل واحدة منها وأعادت العلاقات مع سوريا واتخذت خطوات لتقليص التورط والتواجد في صراعات في ليبيا واليمن. وهذه التغيرات في الموقف الإقليمي للإمارات يستحق التدقيق عن قرب.

فقد تزايد إحباط الإمارات من عدم القدرة على توقع السياسة الخارجية الأميركية. وهذا الإحباط جاء نتيجة التحولات التي تصيب بالدوار من جورج بوش الابن إلى أوباما إلى ترامب ثم إلى بايدن، وأيضاً بسبب الحزبية المدمرة التي اتسمت بها السياسة الداخلية والخارجية الأميركية في الفترة الأخيرة.

ونتيجة أخطاء الولايات المتحدة على امتداد المنطقة، بما في ذلك تفكك ليبيا والعراق وتزايد التشدد في إيران وإسرائيل وانتشار تيارات متطرفة، تركت واشنطن حلفاءها يواجهون مهمة حماية أنفسهم وتطهير، أو معالجة، الفوضى التي ساعدت أميركا في خلقها. وسعت الإمارات منذ تأسيسها لأن تكون مركزاً إقليمياً للتنمية والتسامح.

وقبل عقد، توصل استطلاع رأي للمعهد الأميركي العربي إلى أن تقدير كل العرب للإمارات العربية المتحدة مرتفع، واستنتج الاستطلاع أن كثيرين من العرب ينظرون إلى الإمارات كما كان الأوروبيون ينظرون إلى الولايات المتحدة قبل قرن، باعتبارها بلاد الفرص والوعد.

ورغم بعض المشكلات، أصبحت الإمارات على مدار نصف قرن مقصداً للمستثمرين العرب الذين يدشنون أنشطة اقتصادية هناك ويحصلون على رواتب جيدة ويستخدمون تحويلاتهم في دعم اقتصاد بلادهم الأصلية. لكن تهديدات الاضطراب الإقليمي والتطرف وتقاعس الولايات المتحدة عن معالجة هذه التحديات، كل هذا جعل الإمارات تتخذ في منتصف العقد الماضي مواقف أكثر إقداماً لحماية نفسها والنظام الإقليمي من التهديدات التي تزعزع الاستقرار.

وأدركت الإمارات أن لا حل عسكرياً للصراعات التي أشعلها خصوم مثل تركيا وإسرائيل وإيران. ودشنت مبادرات دبلوماسية مستخدمة أكثر أسلحتها فعالية وهي القوة الناعمة لاقتصادها وحرية ثقافتها الاستثمارية وتنوع سكانها. وفي الشرق الأوسط يظل الفلسطينيون ضحايا القمع والخلل الوظيفي في قيادتهم والتجاهل الأميركي القاسي لهم. صحيح أن الولايات المتحدة كان لها دوماً نفوذ وأوراق ضغط في معالجة كثير من مظالم الشعب الفلسطيني الذي تعرض للظلم طويلاً، لكنها تقاعست عن القيام بهذا. ومع ظهور السياسات الإماراتية الجديدة في الشرق الأوسط، فمن المأمول أن تستخدم الدولة العربية نفوذها لتحقيق ما فشلت الولايات المتحدة في تحقيقه.

رئيس المعهد الأميركي العربي- واشنطن