بعد عامين على اجتياح جائحة «كوفيد-19» العالمَ وما خلّفته من خسائر في الأرواح والاقتصادات في بلدان العالم كافة، بد وكأن الأسوأ قد انتهى بالفعل، فبدأ الناس يسترخون واستؤنفت الأنشطة الاجتماعية مع بدء تعافي الاقتصادات. وكان يُتوقع أن يكون مجيء عام 2022 خالياً من أي مخاوف من الوباء وأن يشهد العام الجديد عودةَ الحياة الطبيعة. غير أن تفشي متحور أوميكرون حطّم آمال التخلص من الوباء ومتحوراته المختلفة.
وبينما ترتفع الإصابات في الهند، فإن السؤال الذي يواجه البلاد هو ما إن كانت اليوم أحسن استعداداً للتعاطي مع موجة ثالثة. والجواب بكل تأكيد هو أحسن مقارنةً مع الموجة الثانية العام الماضي حينما ارتفعت الإصابات بسبب متحور دلتا. فحينئذ كان انتشار الفيروس جد مرتفع لدرجة أن الإصابات كانت تزداد بواقع 400 ألف إصابة في اليوم. وكانت الهند غير مستعدة للموجة الثانية، إذ عانت من نقص حاد في الأوكسجين وأسرّة المستشفيات والأدوية مثل «ريمديسيفير» الذي كان جزءاً من الوصفة العلاجية التي توصف لمرضى «كوفيد-19» في ذلك الوقت.. وهو ما أدى إلى معاناة كبيرة بين السكان. 
لكن هذه المرة من الواضح أن البلاد تعلّمت بعض الدروس من تجربة العام الماضي، إذ أُضيفت أسرّة جديدة في المستشفيات الحكومية والخاصة، وخزِّنت كميات كافية من الأوكسجين، واستُعين بطلبة كليات الطب للمساعدة في عنابر مرضى فيروس كورونا، وباتت عدة مستشفيات كبيرة تتوافر الآن على محطات لإنتاج الأوكسجين في عين المكان، وبات ذلك إلزامياً في العديد من الولايات الهندية بالنسبة للمستشفيات التي يفوق عدد أسرّتها 50 سريراً. وطُلب من الصيادلة الحفاظ على مخزون من أدوية «كوفيد-19»، بما في ذلك العقاقير الخاصة التي توصف للمرضى الذين يصابون بـ«الفطريات السوداء»، والتي تُعد من العواقب التي تطال بعض مرضى «كوفيد-19». كما تقوم حكومة دلهي بتدريب 5 آلاف شاب ليصبحوا مساعدين صحيين يساندون الكوادر الطبية في التعاطي مع الموجة الثالثة. وفي دلهي ومومباي، أكبر مدينتين في البلاد، حثت السلطاتُ السكانَ على التزام الهدوء وتجنب الخروج غير الضروري في وقت فرضت فيه عدداً من القيود. 
في العاصمة دلهي، التي سجلت معدل إصابات يومياً يبلغ عدة آلاف منذ الأسبوع الماضي، أعلنت الحكومة «التنبيه الأصفر». وهذا يعني عودة القيود من قبيل إغلاق كل المؤسسات التعليمية وقاعات السينما والقاعات الرياضية، كما أُعلن عن حظر التجول يومي السبت والأحد وفرض حظر التجول الليلي حتى إشعار آخر. وحددت المدينة سقفاً لحضور حفلات الزفاف هو 20 شخصاً، بينما تُشغَّل قطارات الميترو والحافلات والمطاعم بنصف قدراتها الاستيعابية. وقد اتُّخذت كل هذه القيود وفقاً لـ«خطة عمل الاستجابة المتدرجة لكوفيد». ويصدر «التنبيه الأصفر» في حال بقي معدل الإصابة فوق 0,5 في المئة ليومين متتاليين، أو تجاوزت الإصابات 1500 إصابة، أو بقي متوسط إشغال أسرّة الأوكسجين في المستشفيات 500 في الأسبوع. 
ومن الواضح أن الهند متجهة نحو أسوأ سيناريو في وقت أعلنت فيه حكومة دلهي أنها باتت أكثر استعداداً بـ10 مرات من المرة الماضية. ومن جانبها، قالت الحكومة الفدرالية إنها أحسن استعداداً لموجة ثالثة. وعبر أرجاء الهند، بدأت ولاياتٌ الإعلانَ عن عدد من القيود. وفي هذا الإطار، حصرت ولاية بنغال الغربية الرحلات الجوية من المدن الكبيرة في يومين. وأعلنت حكومة ولاية ماهاراشترا عن قيود جديدة على حضور حفلات الزفاف والفعاليات الاجتماعية والسياسية والدينية والجنازات. 

وبالنظر إلى ارتفاع الإصابات اليومية، تزداد حالياً مناطق الاحتواء وسط قيود جديدة، وذلك على الرغم من أن أكثر من 55 في المئة من سكان البلاد المؤهلين تلقَّوا جرعتين من لقاح كوفيد، كما شرعت الهند مؤخراً في تلقيح الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و18 عاماً. ومع تفشي أوميكرون أيضاً، أعلن عن الجرعة الثالثة كجرعة معزِّزة للمواطنين الهنود الذين تفوق أعمارهم الستين عاماً وللموظفين الطبيين العاملين على الخطوط الأمامية.
ومما لا شك فيه أن الهند باتت أحسن استعداداً هذه المرة للتعاطي مع الوضع في حال كانت هناك زيادة في الإصابات. المشكلة الكبيرة في الموجة الثانية كانت نقص كمية الأوكسجين، لكن هذه المرة تمت زيادة مخزون الأوكسجين، إذ زادت سعة الأوكسجين الطبي في الهند بـ28 في المئة بين أكتوبر 2020 ونوفمبر 2021. ولهذا فإن احتمال تغلّب البلاد على موجة ثالثة بسرعة يظل مرتفعاً. 
ووفق دراسة، فإن الموجة الثالثة التي يقودها متحور أوميكرون من المتوقع أن تبلغ ذروتها بحلول فبراير القادم. ولهذا فإن الحكومة لا تقدم على أي مجازفة غير محسوبة العواقب وتقول إنها مستعدة للرد في حال تسجيل زيادة في الإصابات. ويأتي تفشي أوميكرون في وقت كانت فيه الهند في طريقها إلى التعافي الاقتصادي. غير أنه من غير الواضح حتى الآن كيف سيكون تأثير هذه الموجة الأحدث من الفيروس على الأعمال وشعور المستثمرين. كما أنه من غير الواضح كيف ستزداد الإصابات وما إن كانت حالات دخول المستشفى سترتفع. وفي الأثناء، ليس ثمة شك في أن السنة الجديدة بدأت على نحو كئيب بالنسبة للهند. ذلك أن ارتفاع الإصابات في المدن الكبرى مثل دلهي ومومباي قد يكون بداية موجة ثالثة، لكن الهند تبدو بكل تأكيد أحسن استعداداً للتعاطي مع الأزمة هذه المرة. 

رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي