انقشع غبار أزمة نتائج الانتخابات العراقية بعد تصديق المحكمة الاتحادية العليا في البلاد على نتائج الانتخابات العامة المبكرة المنظمة في شهر أكتوبر2020 وانتهاء أزمة الدعوى القضائية التي رفعها تحالف «الفتح» لإلغاء نتائج الانتخابات، بزعم حصول تزوير وتلاعب واسعين، وذلك إعادة فرز يدوية مطولة لمئات صناديق الاقتراع، حيث تصدرت الكتلة الصدرية بزعامة مقتدى الصدر بـ73 مقعداً، من إجمالي 329 مقعداً برلمانياً، ثم حلَّ تحالف «تقدم» التابع لرئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي في المرتبة الثانية بـ37 مقعداً، تبعه ائتلاف «دولة القانون» التابع لنوري المالكي بـ33 مقعداً، وفاز «الحزب الديمقراطي الكردستاني» بـ31 مقعداً ليحتل المركز الرابع.

وعقد البرلمان العراقي الجديد جلستَه الأولى أمس الأحد بدعوة من رئيس الجمهورية، حيث ينص الدستور على عقد البرلمان جلستَه الأولى برئاسة النائب الأكبر سناً لانتخاب رئيس للبرلمان ونائبين (اثنين) له، تمهيداً لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة. منذ عام 2003 تتوزع المناصب السياسية في العراق وفق نظام المحاصصة، فمنصب رئيس العراق للمكوِّن الكردي، ورئاسة الوزراء للمكون الشيعي، ورئاسة البرلمان للمكون السني. وتتلخص آلية العملية السياسية في العراق من خلال: أولاً انتخاب رئيس البرلمان من خلال الحصول على موافقة 165 نائباً، أي النصف زائد واحد من أعضاء البرلمان، ثم يفترض بالبرلمان بعد جلسته الأولى أن ينتخب خلال 30 يوماً رئيساً جديداً للجمهورية، والذي بدوره يكلّف رئيساً للحكومة يكون مرشحَ «الكتلة النيابية الأكبر عدداً»، ومن ثم يكون أمام رئيس الحكومة المكلف 30 يوماً لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة.

لكن هذا التسلسل الزمني لا يعكس في العادة الواقع، حيث يتم الاتفاق مسبقاً بين الأحزاب بشأن المناصب العليا، وعلى رأسها منصب رئيس الجمهورية ونائبيه، ورئيس الوزراء ونائبيه، ورئيس البرلمان، وحتى تقاسم الحقائب الوزارية. وتشهد مشاورات تشكيل الحكومة العراقية تطورات متسارعة منذ التصديق على نتائج الانتخابات، حيث أعلن تحالف «تقدم» بزعامة الحلبوسي وتحالف «عزم» بزعامة خميس الخنجر عن تشكيل تحالف سنّي مكون من 64 نائباً، وكذلك توافق «الحزب الديمقراطي الكردستاني» و«الاتحاد الوطني الكردستاني» على أجندة ووفد مشترك، بينما تظهر الخلافات جليةً في المكون الشيعي حيث ترفض قوى «الإطار التنسيقي»، وفي مقدمتها تحالف «الفتح»، نتائج الانتخابات وتضغط على التيار الصدري لتشكيل حكومة توافقية معهم، فيما يسعى الصدر لتشكيل حكومة أغلبية، بينما يتوقع المراقبون أن تستمر المشاورات والمفاوضات بين مختلف الكتل والقوى السياسية العراقية لأشهرٍ، لحين التوصل إلى تفاهمات واتفاقات حول حزمة الرئاسات الثلاث. وتواجه العملية السياسية في العراق العديد من التحديات الداخلية، في ظل الظروف السياسية الضاغطة من قبل جماهير الحراك الشعبي الذي انطلق خلال خلال شهر أكتوبر 2019، كنتيجة لانتشار الفساد والبطالة وتردي الظروف المعيشية وتدهور البنية التحتية..

وكان من أهم أهداف هذا الحراك إعادة صياغة المشهد السياسي العراقي عبر إعادة تشكيل مجلس المفوضية العليا للانتخابات من قضاة مستقلين، وصياغة قانون انتخابي جديد بعيداً عن المحاصصة الطائفية والسياسية المعتمدة في تقاسم السلطة. وستظل الإشكالية العراقية، رغم تخطي أزمة الانتخابات، في عملية هدم التوازنات السياسية التقليدية القائمة وإحداث تغييرات جذرية في بنية العملية السياسية التي تعتمد المحاصصة الطائفية، الطائفية التي استفحلت في بنية الدولة العراقية وشكلت المعضلة.

*كاتبة إماراتية