بكل قوة وثبات اندفعت الإمارات العربية المتحدة إلى الخمسين الثانية من مسيرتها المظفرة ونهضتها الفريدة، وهي ترى القرن الحادي والعشرين كله، وترسم طريقها لتكون واحدة من دول الصدارة في هذا القرن القادم وما بعده.

وإن العقد القادم أي في حدود 2030 ستكون ملامح تشكيل العالم طوال القرن الحادي والعشرين وما بعده قد اكتملت، فيومنا بُني على أمسنا، وغدنا مبنيٌّ على يومنا.

وإنني من تحليل معطيات الواقع ومتابعة أعمال القيادة الرشيدة، وخاصة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، برؤيته ونظره البعيد يمكنني أن أقول: أولاً: مسيرة دولة الإمارات العربية المتحدة الصاعدة للمستقبل تترسخ وتزداد قوة يوماً بعد يوم؛ وذلك لأن الإرادة من القائد الفذ صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد صلبة في هذا المجال، والخطط الاستراتيجية واضحة، والإمكانات المادية والمعنوية والبشرية للأجيال الصاعدة متوافرة؛ وبذلك لا يمكن أن تتوقف هذه المسيرة الرائدة والنهضة المباركة وهي مفخرة كل إماراتي وعربي.

وقد بدأت تتبلور بشكل واضح أبعاد هذه المسيرة في سنة 2021م، بدخول العالمية من أوسع أبوابها في المنظمات الدولية، وأعلاها مجلس الأمن ،والمؤسسات الدولية والفكرية والأمنية والاقتصادية العالمية، وهي كثيرة ومتعددة، ففي كل يوم يتحقق نجاح في العالمية وصعود دولة الإمارات إليها بجدارة واستحقاق، ويلقى هذا الصعود الاستحسان والتّرحاب في أرجاء العالم، ولقد كان هذا من طموحات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، حفظه الله، المشروعة وأصبح هذا الطموح حقيقة واقعة وريادة ناصعة.

وهذا يعني أن تأثير دولة الإمارات العربية المتحدة سيكون على المستوى العالمي بكامل المشروعية، ولها في ذلك الحق الذي لا ينازع فيه أحد، ومن هنا فإني أرى أن هذا الموقع العالمي سيجعل لدولة الإمارات قوةً كبيرةً في التوازن الإقليمي والدولي، وحضوراً مؤثراً في صناعة الفكر السياسي والاجتماعي والاقتصادي ومبادئ العلاقات الدولية على المستوى العالمي، وهذه أولى بشائر الخمسين القادمة ومطالعها المشرقة على هذا الوطن.

ثانياً: وإننا نلاحظ بكل وضوح حقائق لابد من أخذها بالحسبان ونحن ننظر للمستقبل ومنها: انتشار مزيد من الأنانية والفردية، وانهيار جانب غير قليل من القيم الإنسانية في جهات العالم كله؛ وهذا يؤدي إلى ظهور عصابات صغيرة في كل الميادين يمكنها أن تكبر مع الأيام، وتؤثر في الأنظمة والدول تأثيراً سلبياً يعود بأفدح الأضرار على الإنسان أينما كان، وهذا قد حصل بعضه، وهو في تزايد ولا يمزق الأوطان والحضارات إلا العصابات والميليشيات.

وإن قيام دولة الإمارات العربية المتحدة منذ تأسيسها على يد القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان، طيب الله ثراه، يرتكز على القيم الإنسانية واستمر هذا المنهج مع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد حفظه الله، وتأكيده على أهم القيم والمبادئ الإنسانية التي تحفظ للإنسان وجوده، وتزيد في استمراره وازدهاره، وهما: مبدأ التسامح والتعاون، وهذان المبدآن دواء لأخطر الأمراض الإنسانية الفتاكة وهما: الكراهية والحرب، وكان ولا يزال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد يؤكد ذلك في كل مناسبة، وكل لقاء مع المفكرين والساسة وأهل الاختصاص، وهذا سيدعم الحضور العالمي لدولة الإمارات، ويجعلها محط أنظار الشعوب في كل أرجاء العالم، وهي تبحث عن الأمن والسكينة والعيش المشترك. ومن هنا تتوالى الإشادات والتنويه بصاحب هذا البلسم الشافي، وهو صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، وسيبقى هذا الاعتراف والتأثير لأمدٍ طويل؛ لأن العالم يئس من الحروب وملّها، واكتوى بنارها، فهو باحث عن طريق أخرى، وقد أعلنها القائد الفذ بصوت عالٍ ومن المنابر العالمية والإقليمية، وتجاوبت معها الأفكار والأرواح، وهذه من بشائر الخمسين القادمة ومطالعها.

ثالثاً: وغير خاف على المتابع للأحداث الدولية أن مراكز القوى العالمية وتأثيرها الكوني قد بدأ بالتغيير، وأن هذا التغيير واقع لا محالة؛ لأنها حركة الإنسان وتقلبه في تاريخه الطويل مما يؤكد أنها سنة كونية لا تتبدل، فبدأت تلوح آفاق قوى جديدةٍ وأصبح تأثيرها يرتفع يوماً بعد يوم، وكذلك فإن نوع القوة وتأثيرها قد بدأ يتبدل ويتغيّر، وهكذا كانت على مر التاريخ باستمرار. وإن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، حفظه الله، الذي يدرك ذلك جيداً يعمل بكل قوة على ترسيخ مكان هذا الوطن ضمن تغيُّر مراكز القوى العالمية؛ ليكون لهذا الوطن قوته المستقلة القائمة بذاتها، والتي تعتمد على إمكانات الوطن المادية وعقول أبنائه المبدعين. وإن التطوير المستمر لنوع القوة الذي أصبح اليوم مذهلاً، وأصبحت أنواعها غير مسبوقة ومتنوعة، وهي الآن الميدان الحقيقي للتنافس العالمي بين الدول التي تنظر للمستقبل وتريد الحفاظ على مكانتها المتقدمة؛ لنيل موقع التأثير والريادة في القرن الحادي والعشرين وما بعده، وما كان التغيير العالمي في التاريخ إلا بقوةٍ من نوعٍ ما إما عسكرية، وإما فكرية، وإما اقتصادية. ولهذا فإن إرادة القائد الفذ أن يكون هذا الوطن كله مركز إبداع وقوة، ومحطة ابتكار وتميُّز؛ ليصبَّ في هذا الهدف ويرفع شأن الوطن مع التركيز على إبداعات الريادة وقد بلغ في ذلك درجات عليا، وإن ما تقدمه الصناعة الوطنية في المعارض داخل الدولة وخارجها، ويلفت الأنظار إليها هو من قوة الفكرة وقوة الأداء، وهو من البشائر في مطالع الخمسين.

رابعاً: لقد أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد قبل سنين أن مسيرتنا في الخمسين الثانية لن تكون معتمدة على البترول، وأننا سنفرح ونسرُّ عند شحن آخر برميل نفط ، قال ذلك، حفظه الله، لأنه يدرك بفكره العميق أن أهمية الموارد الأولية بدأت تتغير وتتبدل، وأن إنتاج الثروة في القرن القادم تتهيأ له مفاهيم جديدة وهياكل اقتصادية لم تكن من قبل، وكان في ذلك سابقاً للخبراء، فكثير من الموارد ذات الأهمية من قبل لم تعد لها قيمة كبيرة، وستتناقص قيمتها في المستقبل القريب والبعيد، كما أن مراكز إنتاج المواد الأولية ومصادر الثروة قد بدأت بالتحول والتغير إلى مناطق أخرى؛ وهذا يؤكد ميلاد اقتصاد عالمي وإقليمي جديد بكل فروعه وأبعاده ، والاقتصاد ومصادر الثروة هي أحد الوجوه البارزة في قوة الأوطان والدول على الدوام ، ولهذا فإن الرؤية الاقتصادية لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، حفظه الله، التي تقوم على التخطيط المحكم، وحسن التدبير للموارد وابتكار آفاق اقتصادية جديدة ؛ جعلت التركيز على الثروة والمواد الأولية التي سيعتمد عليها اقتصاد المستقبل من معادن جديدة وطاقة نظيفة، وقوة بشرية مبدعة وتجارات مبتكرة وغيرها وفتح أبوابٍ جديدة من أهم أولوياته. وإن بناء الشراكات والتعاون مع مواقع هذه المصادر ومراكز إنتاجها له أهمية كبيرة للحفاظ على اقتصاد قوي ومستدام يدعم رفاهية الوطن، ويقوي مكانته العالمية للقرن القادم. فعمل، حفظه الله، لذلك بكل مثابرة ومتابعة في كل جهات العالم، ومع دول ومؤسسات وشركات تنظر نفس النظرة وتطمح إلى ذات الأهداف، وإن توافد رؤساء الدول ومديري الشركات وأصحاب المؤسسات بكثرة في الأشهر الأخيرة لزيارة الوطن والاستماع لحكمته يعمّق هذا التوجه، ويبشر بالمزيد في الخمسين الآتية.

وإن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، حفظه الله، بقوة فكره يرى أن الاقتصاد والإبداع لا يكونا إلا بقوة فكرية، ففتح الأبواب للإقامة في هذا الوطن لكل مبدعٍ واستقطاب صاحب كل رأي بنَّاءٍ مفيد، وإن امتزاج العبقريات والأفكار وتلاقح الآراء سيعطي فكراً جديداً وإبداعاً فريداً في رحاب هذا الوطن، وهذا من مطالع الخمسين القادمة.

خامساً: إن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، حفظه الله، لم يألُ جهداً في تهيئة البعد الداخلي للوطن، نفسياً وفكرياً واقتصادياً؛ ليكون أبناء الوطن مستعدين لهذا التحول العالمي السريع، فثقافة الطموح المشروع، وتحصيل الثقافة البناءة الراسخة المتميزة، والتواصل الإنساني والحفاظ على القيم والهوية الوطنية مع ما تقدم، كلها مسارات مستمرة تجعل الوطن وأبناءه في القرن القادم في مركز الصدارة العالمية والتأثير الإنساني... حفظ الله صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد القائد الباني الذي رفع راية المجد خفّاقة عالية، وحفظ الله هذا الوطن الذي جعله صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد في موعد الحاضر والمستقبل.

المستشار الدكتور/ فاروق محمود حمادة*

*المستشار الديني بديوان ولي عهد أبوظبي.