عادت الحياة بشكلها الطبيعي في عدد من دول العالم بعد بدء التعافي من جائحة كورونا وتداعياتها الخطيرة التي حرفت مسار الحياة في أصقاع الأرض وشلت عجلة التنمية والاقتصاد وخطوط الإمداد العالمية للنفط والاستثمار والتجارة. ولا شك في أن دول الخليج كانت من أوائل الدول التي بدأت الحياة فيها تعود مجدداً إلى طبيعتها وتعافت اقتصادياً واجتماعياً بعد تلقي اللقاح بكامل جرعاته. وقد عادت الحياة فيها إلى وتيرتها السابقة، نظراً لتدني المخاطر نسبياً، قياساً بدول أخرى ما تزال تعاني جراء انتشار الوباء وتفاقم متحوراته ونقص إمداداتها الطبية من الأجهزة والأدوية واللقاحات.
ورغم التعافي النسبي في العالم من فيروس كورونا، إلا أن الخطر لا يزال قائماً، خصوصاً مع المتحور الجديد للفيروس (أوميكرون) واحتمالية تشكل سلالات ومتحورات أخرى للفيروس لم يتأكد بعد مدى خطورتها أو إمكانية معرفة ملامحها، ومن هذا المنطلق فإن أي تهاون مع هذا الوباء هو بالضرورة مجازفة بأرواح البشر. فالبعض يظن أن تلقي جرعات اللقاح كفيل بصد العدوى، وهذا التفكير بحد ذاته خطير إذا قارنا ذلك بسرعة انتشار الفيروس ومدى ضرره على الحياة بشكل عام، فضلاً عن تزايد عدد الحالات بين فترة وأخرى.
إن الفهم الجيد لبروتوكولات هذا الفيروس الخطير هو بلا شك الوسيلة الأنجع لتلافي مخاطره، ففي حين ينتشر الفيروس بسرعة في الأماكن المغلقة، كالمطاعم والمقاهي وأماكن الزحام، فإن خطورته تقل في الأماكن المفتوحة كالمسارح والملاعب والقاعات التي تعتمد على احترازات وإجراءات وقائية مكثفة، وهذا ما تنتهجه دولنا في الخليج من حزم في إجراءات السفر والمطارات والاحترازات الصحية، كالالتزام بالتباعد ولبس الكمامات وإبراز تطبيقات السلامة الإلكترونية.. وجميع وسائل الوقاية التي تطبقها دول المنطقة بكل حرص ودون أي تساهل. فرغم تعدد اللقاحات وجدوى كل نوع منها في منع تفاقم الحالات والحد من انتشار العدوى، إلا أن هذا الفيروس لا يزال غريباً، وهو تحت الدراسات المكثفة. وقد شدد مؤخراً مدير المعهد الوطني الأميركي للأمراض المعدية، أنتوني فاوتشي، على أن هناك «حاجة ملحة للتوصل إلى لقاح يتحتم أن يكون فعالاً في منع ووقف المتحورات الجديدة من فيروس كورونا»، وهو ما أسماه فاوتشي بـ«اللقاح السوبر». وهذا في الواقع ما يجب أن تهتم به الدراسات والأبحاث، فالاستسلام للفيروس والتعايش معه -كما يؤكد البعض- هو في حد ذاته انهزام علمي يدعو للإحباط! فهل نتخيل مثلاً أن تسير الحياة وفقاً لمتحورات «كوفيد-19» ومفاجآته المقلقة والتسليم التام لمخاطره والتكيف معه بجرعات متعددة من لقاح غير مؤكد الفاعلية ودون حل جذري؟ لا أظن ذلك، فالعلم يتطور، والإنسان استطاع خلال العقود الماضية تطوير العديد من اللقاحات والقضاء التام على العديد من الأوبئة، ولن يعجز علماء اليوم عن إنتاج لقاح ينهي وباء كورونا الحالي إلى الأبد.
ظهر خلال الأيام القليلة الماضية متحور جديد، بصفات وبصمات جينية مختلفة تجمع بين دلتا وأوميكرون، في قبرص، وسمي «دلتاكرون»، مما أثار قلقاً كبيراً على مستوى العالم، فالأمر لم يعد مرضاً يمكن القضاء عليه بجرعة أو جرعتين أو ثلاث جرعات، بل تجاوز الأمر في خطورته بتحوراته (المتعددة) والمختلفة في طبيعتها وتكوينها وشراسة انتشارها. فهل نحن على موعد مع متحورات أخرى أشد شراسة، أم أن العلم سيفاجئنا بما هو مغاير للواقع وببشائر تنهي هذا الوباء من حياتنا؟ المؤكد أن الخطر لا يزال قائماً والحذر لا يزال مطلوباً إذا ما علمنا أنه تم إحصاء أكثر من مليوني إصابة بـ«كوفيد-19» في العالم خلال الأسبوع الأول وحده من عام 2022، وأن عدد الإصابات الجديدة ارتفع بنسبة 270% منذ رصد المتحور أوميكرون حتى اليوم!