استباح «الحوثيون» خلال سنوات العبث باليمن الأرضَ والعرضَ وسيَّحوا عقول الشعب ثم احتلوها بصورة لم تمر على أهل اليمن في تاريخهم العريق الذي يحاول الحوثيون إغراقه بمياه الطائفية الآسنة.
وخلال أكثر من ست سنوات مارس «الحوثيون» الإخلال الفكري بمؤسسات الدولة التي سيطروا عليها بالقوة الغاشمة الباطشة، كالمدارس والجامعات والجوامع والمساجد.
لقد أجبروا العاملين على أداء قسم الولاء والطاعة العمياء لعبد الملك الحوثي كشرط ملزِم للاستمرار في وظائفهم داخل مؤسسات حيوية للمجتمع اليمني. وضمن هذا العبث تم استبدال الموظفين السنّة بالشيعة، بلا سابق إنذار، سواء أكانوا مدرسين أم وعاظاً أم أساتذة جامعات.. وهكذا يتم إقصاء مكونات الطيف اليمني متعدد الألوان وتحويل البلاد إلى لون حوثي واحد يقطر مذهبيةً وطائفيةً على نحو لا سابق له.
لذا كانت مطالبة الحوثيين بـ«الحسم» قبل قيامهم باحتلال العقول وحرق الحقول، عبر التغيير القسري وفرضه من خلال طرد الحكمة اليمانية.. وبذلك زرعوا بذور الفتنة طويلة الأجل في وقت حساس تمر به الأمة العربية بعدد من أشد الأزمات، أزمات بعضها فوق البعض، منذ «الربيع» الذي لم يورق إلا حصرماً.
عملية غسيل الدماغ وإعادة برمجته ليست موجهة للثلة أو القلة «الحوثية»، بل للأغلبية المطلقة من الشعب الذي يشهد هذه السابقة التي لم تخطر على البال من جانب مكون لم يعد ينتمي للوطن، بل بات انتماؤه الوحيد لملالي الخارج.
إن بناء هندسة فكرية قائمة على إذكاء النعرات العرقية والثارات الطائفية المرتكزة على تاريخ ليس له ارتباط بالحاضر المعاصر، يعصر كل خير عامر وصيت ظاهر ويضع أي أمة في آخر الطابور بعيداً عن المقدمة.
أما إذا استمر «الحوثيون» في إعادة البناء الهندسي لعقول الشعب اليمني على هذا المنوال الذي يريدون به فصل اليمن عن الإطار الحضاري العالمي وتهديم أسس انتمائه العريقة حتى يتقزم دوره ويتحجم موقعه في سلم الحضارات التي أضافت للعالم كل جميل ونفيس.. فإنهم يجنون على البلاد وعلى أنفسهم أكبر جناية وسيحاسبهم الشعب والتاريخ معاً أقسى حساب. 
إن العمل الذي يقوم به «الحوثيون» عبر هذه الهندسة المعتلة، يؤدي لا محالة إلى قطع أوصال حضارة إنسانية لطالما ساهمت في إثراء العالم أجمع وليس وطنها فحسب.
من هذا المنطلق لا نعرف المنطق الذي استند إليه في انحيازه إلى مَن سرق الشرعية الديمقراطية من الشعب الذي اختار حكومته بمحض إرادته. لقد أصبحت هذه الانتهاكات ممارسة على مدار الساعة، فكيف تنجو عقول هؤلاء من قصف أفكارهم الضالة، وأيديولوجيتهم التي تجر التاريخ من الخلف وتجيِّر الحاضر لمصلحة آنية، فتنشأ حالة من الانفصام بين ما يريدونه وما هو عليه واقع العالم من التطور والتقدم، فعقول هؤلاء تعيش في القرن الثاني للهجرة، فيما أقدامهم تدنس أنقى منهج عرفته البشرية من بعد جاهلية عمياء يريدون إعادة هندستها في العقول الحكيمة لأهل اليمن.
ويمكن للجناح الفكري للتحالف العربي أن يعمل بالتوازي مع الجناح العسكري والأمني لإحداث التوازن وملء الفراغ الذي ينشأ عن تمادي الحوثيين في استخدام أسلحة فكرية مدمرة للعقول، بدلاً من أن تعمر الحقول، حقول اليمن السعيد التي يتم إحراقها بيد «الحوثة»!

كاتب إماراتي