تزداد علاقات الهند مع جمهورية جزر المالديف (الدولة الأرخبيلية الواقعة في المحيط الهندي) قوةً في ظل الرئيس الحالي إبراهيم محمد صالح، بعد أن مرت بمرحلة صعبة في ظل الحكم السابق. وإن كان هناك إلى الآن بعض السياسيين المحليين الذين يقودون حملة «خروج الهند» (المطالِبة بإنهاء الوجود العسكري الهندي من المالديف) لأسباب سياسية محلية تراقبها نيودلهي عن كثب. وقد بذل الرئيس السابق عبد الله يمين كل ما بوسعه لدعم هذه الحملة الدائرة منذ بعض الوقت على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقد تم الإفراج عن عبد الله يمين من إقامته الجبرية بعد أن ألغت المحكمة العليا في جزر المالديف إدانته بتهمة غسل الأموال والاختلاس على أساس عدم كفاية الأدلة. وبعد إطلاق سراحه، عاد إلى السياسة بحملة لنشر فكرة أن الهند تعزز وجودها العسكري الذي من شأنه أن يضر بسيادة البلاد. ويُنظر إلى هذا الجهد على أنه يهدف إلى إحياء حياته السياسية وجزء من جهوده للعودة إلى السلطة. فهو يحاول اكتساب بعض الأهمية من خلال الاستفادة من المشاعر المعادية للهند، قبل إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة لعام 2023. وقد لاقت محاولته لإثارة المشاعر المعادية للهند الكثيرَ من الانتقادات في بعض الأوساط، كما تحاول حكومة جزر المالديف إنهاء حملة «خروج الهند» هذه.
ووفقاً لوزير الخارجية عبد الله شهيد، فإنه من غير المنطقي مهاجمة تلك الدول المجاورة التي تقدم المساعدة لجزر المالديف. وقد ذكر الوزير أن بلاده تتبع سياسة خارجية متوازنة، وأن العلاقات الجيدة مع الهند كانت مفيدةً دائماً. وأصدرت حكومة جزر المالديف بياناً انتقدت فيه محاولة «مجموعة صغيرة من الأفراد وعدد قليل من الشخصيات السياسية» نشر «معلومات مضللة وغير مؤكدة لنشر الكراهية تجاه الهند، التي تعد واحدةً من أقرب الشركاء الثنائيين» للبلاد.
وفي حين أن حملة «خروج الهند» قد تعرضت لانتقادات من قبل الأحزاب السياسية الأخرى، فإن الحملة تشكل خطراً على الهند لأنها قد تتورط في القضايا الداخلية. ومع ذلك، لا تزال العلاقات بين الجارتين قوية حيث أطلقت الهند العديد من المبادرات الأخرى لصالح جزر المالديف. وفي هذا الإطار، تساعد الهند جزر المالديف في بناء جسر بقيمة 500 مليون دولار يربط بين أربع جزر، وهو ما ينافس جسر الصداقة الذي قامت الصين بتشييده بقيمة 200 مليون دولار. وفي الوقت الحاضر، تشمل المشاريع التي تساعد الهند في إنشائها مشاريعَ للمياه والصرف الصحي في 34 جزيرةً، ومشاريعَ الاستصلاح، وميناءً في جزيرة جولهيفالهو، وإعادةَ تطوير مطار في جزيرة هانيمادوهو، ومستشفى وملعباً للكريكيت في جزيرة هولهومالي.
حدث كل هذا حتى فيما كان وزير الخارجية الصيني وانج يي في زيارة لجزر المالديف الأسبوع الماضي، في إطار جولته في منطقة المحيط الهندي. يعد المحيط الهندي محوراً لفترة طويلة من الصراع على النفوذ بين مختلف البلدان وخاصة الصين والهند، اللتين تَعتبران المنطقةَ جزءاً من الجوار الممتد. ويذكر أن لكل منهما مصالح اقتصادية وعسكرية في جزر المالديف. وقد جاءت زيارة وانج بمناسبة الاحتفال بالذكرى الخمسين لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بين جزر المالديف والصين، حيث أجرى محادثات مع نظيره عبد الله شهيد، كما التقى بالرئيس إبراهيم محمد صالح.
لقد راقبت الهندُ التأثيرَ الصينيَّ المتزايدَ على مر السنين في دول مثل جزر المالديف وسريلانكا في الجنوب ونيبال في الشمال. وفي حين أن العلاقات بين الهند وجزر المالديف في الوقت الحاضر قوية في ظل إدارة الرئيس صالح، فإن جزر المالديف تسعى أيضاً إلى إقامة علاقات وثيقة مع الصين كجزء من سياستها المتوازنة. والواقع أن جزر المالديف تحرص على تنمية العلاقات مع كل من الهند والصين لأسباب اقتصادية. وقد أصبح هذا الأمرُ أكثر إلحاحاً بسبب التأثير على السياحة جرّاء جائحة «كوفيد-19».
وتشتهر جزر المالديف بشواطئها الاستوائية ومياهها النقية ومنتجعاتها الراقية. وهي تعتمد على السياحة التي تسهم بنسبة 67% في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وبينما كانت جزر المالديف تعاني في البداية مع اقتصادها، إلا أنها تحاول الآن التعافي. وفي أول أسبوعين من هذا العام، زار ما مجموعه 55 ألف سائح جزر المالديف. ووفقاً لوزارة السياحة في البلاد، فقد زاد عدد الوافدين مقارنة بعام 2021، لكنه لا يزال أقل من إجمالي عدد الوافدين في العامين الماضيين. وبينما تم تسجيل 56 ألف سائح في الأسبوعين الأولين من عام 2021، تم استقبال 967 ألف سائح خلال نفس الفترة من عام 2020. بيد أن السياحة بدأت الآن في الانتعاش، حيث يتوجه السياح من الهند وروسيا والمملكة المتحدة بشكل متزايد إلى جزر المالديف.
بيد أن جزر المالديف تعاني من مشكلة الديون المرتفعة، وقد بلغ إجمالي ديونها العامة والمضمونة من قبل القطاع العام 5.6 مليار دولار بنهاية مارس 2021، وفقاً للبنك الدولي. وحسب تقديرات البنك الدولي أيضاً، فإن جزر المالديف ما تزال معرّضةً لخطر كبير بسبب ضائقة الديون العامة والخارجية. لذا يظل تعاونها الاقتصادي مع كل من الهند والصين مهماً.
ليس ثمة شك في أن العلاقات بين الهند وجزر المالديف، على الرغم من كل هذه التطورات، ما تزال قوية. كما أن نيودلهي حريصة على ضمان بقاء العلاقات على هذا النحو. لكن من الواضح أن المخاطر كبيرة، لا سيما مع حرص الصين أيضاً على توسيع وجودها.

رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي