دخلت دولة الإمارات العربية المتحدة الخمسين الثانية من عمر الاتحاد بمستوى من الطموح لا سقف له، مستندة على رؤية القيادة الحكيمة التي تبني خطتها الاستراتيجية على العنصر المهام من عناصر بناء الحضارات وهو العنصر البشري، وأكد ذلك صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان حين قال (إن الاستثمار في الإنسان هو الاستثمار الحقيقي).
إن الحضارة يبنيها الإنسان أولاً، ثم تعيد تلك الحضارة بناء الإنسان والأجيال التالية، والتي يعول عليها في الحفاظ على مكتسباتها والتطوير والمواكبة مع تغيرات وتطورات العصر والمستقبل. وبناء الإنسان يحتاج للكثير من المقومات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية وغيرها، وكل تلك المقومات يحميها واحد من أهم الأعمدة الرئيسية، والتي ترتكز عليها البنية التحتية للحضارة، وهو أمن الإنسان والذي يهتم بأمن الفرد داخل المجتمع والذي بناء عليه يتحقق أمن المجتمع والدولة. 
شعور الإنسان بالأمن هو الضامن الأكبر لنمو المجتمع واستمراريته وقدرته على بناء حضارة، فغيابه يعني تفكك المجتمع وانتشار الخوف والقلق والغوغائية، وفي ظل هذا الغياب ينهار المجتمع ويتعرض الأمن القومي للخطر وتوقف التجربة الحضارية لأي دولة.
للأمن عدة أشكال ومفاهيم؛ فهناك الأمن الاقتصادي والأمن السياسي والأمن العسكري والأمن الصحي والأمن الغذائي والأمن البيئي وغيرها، وهي لا تعمل بمعزل عن بعضها، فهي منظومة متداخلة من المفاهيم الأمنية، والتي تعمل كلها على تحقيق أمن المجتمع، الذي يمثل حجر زاوية في تحقيق استقرار المجتمع وقوة البنية واللحمة المجتمعية، ويحقق للأفراد الاستقرار الداعم للعمل وبث روح الطمأنينة التي تساعد على توفر المناخ الذي فيه يحقق الإنسان العمل بكفاءة عالية والابتكار والإبداع من أجل التطور الحضاري للدولة.
تحقيق الأمن الاجتماعي هو مسؤولية مشتركة ما بين أفراد المجتمع والمؤسسات ذات النفع العام العاملة في المجال الاجتماعي وبين مؤسسات الدولة المتعددة بدءاً من المنظومة الأمنية بكافة روافدها، وهنا لا يمكن أن نغفل ما وصلت له دولة الإمارات من تطور حيث إنه وفق مؤسسة جالوب الأميركية، حققت الإمارات المركز الأول عالمياً في مستويات شعور السكان بالأمان عند تجوالهم بمفردهم في شوارع الدولة.
ويشترك في مسؤولية تحقيق الأمن الاجتماعي بدور مهم المؤسسات التعليمية المختلفة، بالإضافة إلى كافة مؤسسات الدولة الأخرى، والتناغم المتكامل والمدروس والمبني على خطط استراتيجية واضحة الأهداف هو الضامن لتحقيق المستوى المطلوب من الأمن الاجتماعي، الذي يحافظ على تماسك واستقرار المجتمع ويمنح الفرد الطمأنينة الكاملة على نفسه وأسرته وممتلكاته مما يشعره بالأمان.
ولكي يتحقق الأمن الاجتماعي، لابد من توفير العديد من المقومات ومن أهم هذه المقومات - إن لم يكن هو الأهم - قوة وسيادة القانون وتحقيق العدالة وفي هذا المجال حققت الإمارات الريادة في سيادة القانون، حيث إنها طبقاً لتصنيف مؤسسة مشروع العدالة العالمية في واشنطن، مؤشر «سيادة القانون» 2021، الذي يقيّم سيادة القانون في 139 دولة، احتلت الإمارات المركز الأول إقليمياً. ومن المقومات الأخرى سيادة ثقافة التسامح والإمارات تجسد نموذجاً عالمياً في التسامح والتعايش؛ فقد كانت دولة الإمارات ضمن قائمة الدول الـ 20 الكبار على مستوى العالم في 8 من مؤشرات التسامح والتعايش. وهناك العديد من المقومات الأخرى مثل توفر الاحتياجات الأساسية للمعيشة والتكافل الاجتماعي. 
نجحت الإمارات في تحقيق معدلات عالية من الأمن الاجتماعي، لكن هذا لا يمنع وجود تحديات في العديد من المجالات المؤثرة عليه، والتي ستكون محوراً لسلسلة المقالات التالية لنحلل تلك التحديات ونضع تصوراً استباقياً لآثارها على مستقبل الأمن الاجتماعي في الإمارات.
نلتقي في مقالنا القادم حول الفضاء السيبراني وآثاره على الأمن الاجتماعي في دولة الإمارات العربية المتحدة.
أستاذ زائر بكلية التقنية العليا للبنات، وباحثة إماراتية في الأمن الاجتماعي والثقافي