استهداف أبوظبي بالهجوم جرّ على «ميليشيا الحوثي» إدانات واسعة النطاق وغير مسبوقةٍ، لما تمثله دولة الإمارات للعالم أجمع من دولةٍ ترعى «التسامح» و«التعايش» وتحتضن جميع البشر بغض النظر عن أديانهم وأعراقهم وجنسياتهم، ولما لها من علاقاتٍ دوليةٍ ومصالح مترابطة مع غالبية دول العالم، وسياساتها الراسخة في دعم استقرار الدول ودعم السلم والأمن الدوليين.

كدولة حديثة كانت دولة الإمارات مستعدةً وجاهزة لأي  حادث إرهابيٍ بحكم الوعي المتقدم والرؤية الواقعية وهيمنة منطق الدولة والاستراتيجيات التي بنيت ووضعت موضع التنفيذ، وقد شاهد العالم أجمع كيف تعاملت دولة الإمارات مع الهجوم الإرهابي الغادر على كافة المستويات ورأى النتائج السريعة والفاعلة لهذا التعامل.

في مساحة من مساحاتٍ موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» أقامت صحيفة الاتحاد ندوةً تدارست الحدث من كافة جوانبه بما تسمح به المساحة والوقت والمشاركون، وكان من نصيب كاتب هذه السطور التركيز على التهديد الذي تشكله «ميليشيا الحوثي» على السلم والأمن الدوليين، وبيان الإدانة الصادر عن مجلس الأمن الدولي بالإجماع وبأشد العبارات دليلٌ على استشعار العالم لهذا التهديد الخطير.

«ميليشيا الحوثي» تعتقد أنها غير خاضعة للقوانين الدولية ولا تلتزم إلا بـ «ملازم حسين الحوثي» وهي تنتهك الاتفاقات الدولية، وأوضح الأمثلة انتهاكاتها المستمرة والمستقرة لـ «اتفاق ستوكهولم» بشأن ميناء الحديدة، وتحويلها الميناء لمركزٍ لاستيراد الأسلحة بكافة أنواعها، وجلب المدربين العسكريين من «الميليشيات» الشبيهة لها في المنطقة مثل «حزب الله» اللبناني. تهديد الممرات المائية والملاحة البحرية هو تهديد لكل دول العالم وللتجارة الدولية، ومضيق باب المندب تمرّ منه السفن التجارية التي تعبر إلى «قناة السويس» وهو نقطة تواصلٍ بين الشرق والغرب، و«ميليشيا الحوثي» تمارس القرصنة البحرية بتصميمٍ استراتيجي وهي اختطفت سفينة «روابي» ومن قبلها تعرضت للسفن السعودية والدولية في مسعى يجب أن يتوقف وأن يتم إجبار هذه «الميليشيا» الإرهابية على الامتناع عن تهديد السلم والأمن الدوليين.

«الصواريخ الباليستية» و«الطائرات المسيرة» هي انتهاك للقوانين الدولية وتهديد للسلم والأمن الدوليين، وهي تستعملها بشكل مستقرٍ ومستمرٍ ضد السعودية وقبل بضعة أيام ضد، الإمارات وهي تطور تقنياتها وجودتها بالتجارب المستمرة دون رادعٍ دوليٍ فاعلٍ ومؤثرٍ، ودون إعادة تصنيف «ميليشيا الحوثي» إرهابيةً فكل هذه التهديدات ستزداد وتتعاظم. أخطر أسلحة الحوثي هي «الأيديولوجيا العابرة للحدود» والطائفية المقيتة التي تستخدمها كسلاحٍ ضد الشعب اليمني أولاً وضد دول الجوار و«التحالف العربي»، ومن لا يعرف خطورة «الأيديولوجيا» عليه أن يقرأ التاريخ البعيد والقريب ويتأمل فيما تصنعه «الأيديولوجيا» من إرهابٍ وجماعاتٍ وتنظيماتٍ.

المشهد اليمني فيه تعقيدات وتشابكات ذات أبعادٍ متعددةٍ، ولكنه ليس عصياً على الفهم، سياسياً وقبلياً وطائفياً ومذهبياً، وبالعلم والمنطق يمكن فرز ذلك كله وبناء تصورٍ متماسكٍ يساعد على التعامل معه، نصرة للشعب اليمني ورفضاً لاستغلال هذه التعقيدات والتشابكات من أي جهةٍ كانت للإضرار باليمن ودول جواره.

«الأصولية السياسية» بشقيها السني والشيعي متشابهةٌ، أصولها واحدةٌ، وأفكارها وخطابها وأيديولوجيتها واحدةٌ، والخلافات يسهل تحويرها، والأصوليتان متحالفتان ضد الدول والشعوب العربية، والشواهد كثيرةٌ والأمثلة لا تحصى، والحاجة ملحةٌ لتسمية الأشياء بأسمائها في هذه المرحلة الحرجة. «سلفيو اليمن» أصوليون، ولكنهم غير مسيسين، وهم أقرب إلى «المدنيّة» من نظرائهم المسيسين، و«السلفية» على الرغم من تشددها الفقهي إلا أنها بعيدةٌ عن السياسة وتنظيراتها تؤكد هذا، وأشهر رموزها «مقبل الوادعي» ودار الحديث في «دماج» ومن تخرّج منها من رموزٍ وتياراتٍ بغض النظر عمّن اختاروا التقرب من «الأصولية السياسية» هناك لظروفٍ ليس هنا موضع تفصيلها. أخيراً، فميليشيا «الحوثي» لا تعرف حقاً ما تريد، وبوصلتها ضائعةٌ، وهي «أداةٌ» في صراعاتٍ إقليمية ودوليةٍ أكبر منها بكثيرٍ، وهي لهذا تجني على نفسها وعلى اليمن.

* كاتب سعودي