من المعروف أن الهند هي ثاني أكبر مستورد للأسلحة في العالم. هذه الأسلحة تُعد بالغة الأهمية في وقت تعمل فيه نيودلهي على تحديث جيشها من أجل التعاطي مع التوترات التي تندلع على حدودها مع بعض البلدان المجاورة.

غير أن البلد الواقع جنوب آسيا يسعى حالياً للشروع في صناعة الأسلحة وتصديرها في إطار جهوده الرامية لتحقيق الاكتفاء الذاتي. هدف ازداد أهمية في ظل الاضطرابات التي تسببت فيها جائحة كوفيد- 19 وأثّرت سلباً على سلاسل الإمداد.

على هذه الخلفية، تسعى الحكومة الهندية حالياً للدفع بصناعة السلاح، ويبدو أنها بدأت بداية جيدة من خلال نجاحها في تصدير منظومة «براهموس» الصاروخية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت إلى الفلبين، وهو ما يمثّل خطوة مهمة ضمن طموحها إلى أن تصبح مصدّراً للأسلحة، ويعزّز في الوقت نفسه دبلوماسيةَ الهند الدفاعية في جنوب شرق آسيا.

وتُعد هذه الصفقة، التي تبلغ قيمتها 375 مليون دولار، إنجازاً كبيراً للهند، التي تُعد في الوقت الراهن ثاني أكبر مستورد للأسلحة في العالم.

الصاروخ الذي تنتجه شركة «براهموس ايروسبيس ليميتد» يُعد مشروعاً مشتركاً هندياً-روسياً، وسيُستخدم من قبل فوج الدفاع الساحلي التابع للقوات البحرية الفلبينية، وفقاً لوزير الدفاع الفلبيني دلفين لورينزا، الذي أشار إلى أن الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت «ستعزّز من دون شك القوة النارية للبحرية الفلبينية». كما قال إن من شأن المنظومة الصاروخية أن توفّر قدرات هجومية مضادة داخل المنطقة التجارية الخالصة للفلبين، بالنظر إلى أن الأمر يتعلق بصواريخ كروز الأسرع في العالم.

وكانت شركة «براهموس ايروسبيس» والفلبين وقعتا الجمعة الماضي صفقة تزوّد بمقتضاها الأولى الثانية بثلاث بطاريات لصاروخ كروز. وتفيد تقارير بأن الهند تجري مفاوضات مع إندونيسيا وفيتنام حالياً من أجل تزويدهما بـ«منظومة براهموس الصاروخية» لتعزيز تعاونها في مجال الدفاع مع دول أخرى في دول جنوب شرق آسيا، الأمر الذي من المتوقع أن يمنحها عمقاً استراتيجياً أكثر. ووفقاً لتقارير، فإن طائرة «تيجاس» الحربية الخفيفة التي تصنعها شركة «هندستان ايرونوتيكس ليميتد» الهندية المملوكة للدولة توجد أيضاً في سباق على صفقة أسلحة في ماليزيا التي أعلنت العام الماضي عن مناقصة عالمية لاقتناء طائرات قتالية خفيفة.

وهكذا، تعمل الهند على تعزيز دبلوماسيتها الدفاعية ببطء لتشمل بيع أسلحة، متخلية عن ترددها السابق بشأن بيع الأسلحة لجيرانها، وجيرانها الأبعد، وبعض البلدان من أفريقيا ورابطة آسيان. فبفضل خط ائتماني بقيمة 100 مليون دولار، ستزود الهند فيتنام بـ12 زورقاً دورياً عالي السرعة، تم تسليم زورقين منها، بينما ما زالت البقية قيد الإنشاء. وفضلاً عن ذلك، تزيد الهند من تعاونها مع بلدان آسيان عبر برامج التدريب العسكري وزيارات السفن.

وعلى الرغم من أن صادرات الهند الدفاعية تظل متواضعة، إلا أنها ارتفعت من 15.21 مليار روبية في 2016-2017 إلى 84.35 مليار روبية في 2020-2021، حسب الأرقام الحكومية. 

ولئن كانت الصفقة التي أُبرمت مع الفلبين هي الأكبر حتى الآن، فقد سبق للهند أن صدّرت معدات دفاعية إلى 84 بلداً. الأمر لا يتعلق بصفقات دفاعية كبيرة، وإنما بمعدات عسكرية صغيرة من قبيل قاذفات الغاز المسيل للدموع، وأجهزة الرؤية الليلية، وأنظمة مكافحة الحرائق، وتوربيدات خفيفة الوزن.

غير أن نجاح البلد في الصعود كلاعب مهم في الصناعة الدفاعية سيكون مرهوناً بالسرعة التي سيستطيع بها دعم الصناعة الدفاعية المحلية بعروض محلية. فطموحات البلد في مجال الدفاع، والتي تشمل بلوغ صادرات تناهز 350 مليار روبية في عروض الفضاء/الطيران والدفاع بحلول 2025، تعتمد على مزيد من توطين الصناعة.

فرغم أن الهند حققت بعض النجاح في توطين الصناعة من خلال «براهموس» و«تيجاس»، التي أُدخلت إلى القوات الجوية الهندية أول مرة في 2016، إلا أنه من أجل تقوية عروضها في مجال الدفاع وتحقيق قدر أكبر من الاندماج الصناعي على هذا المستوى، يتعين عليها أن تدفع في اتجاه مزيد من توطين الصناعة عبر خلق صناعة تقوم على التصميم المحلي. وعموماً، من الواضح أن الهند مقبلة على بداية جيدة، وتحتاج لصفقات بيع كبيرة مثل تلك التي عقدتها مع الفلبين من أجل الصعود كلاعب كبير في الصناعة الدفاعية.

* رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي