تحتفل دولة الإمارات العربية المتحدة هذا الشهر بفعاليات (الإمارات تبتكر) السنوية التي أضحت حدثاً سنوياً يتم من خلاله ترسيخ ثقافة الابتكار في دولة الابتكارات، والمواهب، والأمن، والأمان. والحقيقة التي لا تدع مجالاً للشك هي أن الإبداع الذي يؤدي بصاحبه إلى خوض مجال الابتكارات لا يتأتى إلا في ظل بيئة مٌحفزة على كافة المستويات، وهذا ما نجده في الإمارات.

فقد بدأ الأمر باعتماد مجلس الوزراء عام 2015 عاماً للابتكار، حيث تم توجيه كافة الجهات الاتحادية القيام بتكثيف الجهود، ومراجعة السياسات الحكومية، بهدف خلق بيئة محفزة للابتكار تصل بدولة الإمارات للمراكز الأولى عالمياً.

كما قام صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله» في نوفمبر 2015 باعتماد السياسة العليا لدولة الإمارات في مجال العلوم والتكنولوجيا والابتكار، وتتضمن السياسة 100 مبادرة وطنية، وميزانية تزيد على 300 مليار درهم حتى العام 2021. ثم تم تدشين أسبوع الإمارات للابتكار على مدار سنتين في 2015 و2016، وبعد نجاح تلك التجربة، تم اعتماد شهر فبراير من كل عام شهراً للابتكار في الإمارات، ولقد أثمرت تلك الجهود عن تصدر دولة الإمارات عربياً في مؤشر الابتكار العالمي لعام 2019.

وبشكل عام، تهدف سياسات الابتكار في الإمارات إلى تحقيق العديد من الأهداف الاستراتيجية ومنها تعزيز وسيلة مستدامة للاستثمار في الطاقات البشرية الإماراتية، وتحفيز النشاط الاقتصادي للدولة، بعيداً عن الاعتماد على النفط، بجانب تعزيز القدرات التنافسية العالمية لدولة الإمارات، وتحويل مفهوم الابتكار إلى عمل وثقافة مؤسسية فعّالة ودائمة في حكومة دولة الإمارات.

ولقد أدى وضع تلك السياسات والرؤى المستقبلية من أعلى قمة الهرم التنظيمي في الدولة وتوجيهها إلى كافة المؤسسات الحكومية الاتحادية والمحلية إلى خلق حالة من التفاعل المجتمعي على مستوى شرائح المجتمع كافة، الأمر الذي حدا بالعديد من الجهات الحكومية إلى استحداث أقسام وإدارات خاصة بالابتكار وتشكيل فرق عمل متخصصة وتنفيذ استراتيجيات ومبادرات ابتكارية وطرح جوائز سنوية للابتكار.

والأمر الجدير بالذكر هنا، هو أن الغاية الرئيسية من كافة سياسات واستراتيجيات ومبادرات العلوم والتكنولوجيا والابتكار في الإمارات هي الاستثمار في المواطن الإماراتي، والارتقاء بمعارفه في مجال العلوم والتكنولوجيا، وذلك لكي يتمكن من المساهمة بفعالية وإيجابية في مختلف مجالات التنمية الوطنية ومن أبرزها أبحاث الفضاء، وصناعات الطيران المتخصصة، والصناعات الدوائية العالمية، وأبحاث الطاقة الشمسية، والطاقة النووية السلمية، وبرامج الذكاء الاصطناعي، وغيرها.

وهنا نلحظ تميز العديد من المواطنين في مجالات الابتكارات المختلفة، ولعل من أبرزهم المهندس أحمد مجان، الذي يمارس منذ أعوام طويلة الابتكار بشغف واحترافية ويعكس الصورة المثلى في هذا المجال داخل الدولة وخارجها ولم يقف عند حدود تقديم عشرات الابتكارات في العديد من المحافل الوطنية والدولية، بل تجاوز ذلك بمبادرته لإنشاء «جمعية المخترعين الإماراتية» لتكون المظلة الحكومية الرسمية لكافة الموهوبين والمبدعين من المواطنين والمقيمين على أرض الدولة وتوفر لهم البيئة المناسبة للابتكار والدعم القانوني في هذا المجال لحفظ حقوق المٌبتكر.

والمحصلة النهائية لذلك الاهتمام المنقطع النظير وكافة تلك الجهود والسياسات، هي خلق بيئة وطنية أساسها الإبداع والموهبة ومخرجاتها أعمال ابتكارية ومنتجات وخدمات وعمليات جديدة ترتقي بجودة الحياة يضع من خلالها المواطن الإماراتي بصمته في سجل إنجازات الدولة في مختلف الحقول لتحقيق الاقتصاد المعرفي الذي تنشده القيادة.

*باحث إماراتي