مع إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت عن أن إسرائيل ستدخل منظومة دفاعية جديدة لتأمين سمائها من صواريخ الفصائل الفلسطينية وقوات «حزب الله»، وغيرها من الميلشيات، فإنه خلال عام تكون إسرائيل قد دخلت مرحلة تحصين مقدراتها الدفاعية بصورة كبيرة، بعد أن دخل النظام الدفاعي مراحل التشغيل التجريبي.

يبدو أن إسرائيل تسعى لتفعيل نظام مختلف يتجاوز ما جرى في ثغرات النظام الدفاعي الشهير «القبة الحديدية»، وهو ما دفع قادة الدولة للإعلان عن بعض التفاصيل في مؤتمر مركز دراسات الأمن القومي الذي عقد مؤخرا للتأكيد عليه خاصة وأن هناك أنظمة أخرى يجري العمل على تطويرها، ومنها «السهم السحري»، و«مقلاع داوود/2»، إضافة لبرنامج «الصاروخ حيتس»، وغيرها وهدفها الرئيس عدم تعريض الأهداف الإسرائيلية المدنية والعسكرية لأية مخاطر واردة في أي مواجهة.

المسألة تجاوزت منطقة غلاف غزة بالأساس إلي مناطق إستراتيجية وصناعية كبرى، قد تكون مستهدفة ومنها تل أبيب ومطار بن جوريون وعشرات المواقع الإستراتيجية إضافة لمواقع المفاعلات النووية، وبالتالي فإن النظام الدفاعي الجديد سيكون له أهدافه الكبرى ضمن منظومة الدفاعات الجاري العمل على تطويرها، وتفعيل دورها سواء من المنصات المعادية المجاورة إضافة لأي هجوم محتمل من الجوار القريب، أو البعيد.

والرسالة أن إسرائيل ستحمي أراضيها، وسماءها عبر جدار «ليزر» يحميها من الصواريخ والطائرات من دون طيار، وغيرها من التهديدات المباشرة، أو غير المباشرة، الأمر الذي سيدفع لتغيير المعادلة بالكامل في غضون عدة أشهر، وسيحجّم أي تحرك مضاد لأمن إسرائيل، وسيفرض استراتيجية الردع المباشرة، وهو ما تسعى إليه إسرائيل، مع تأكيد أن الغلبة ستكون في الأساس لتأمين الدولة وسلامة مواطنيها، فالافتراض الرئيس والمطروح في الكنيست هو أن تبقى إسرائيل في أمان كامل خلال مدة لا تتجاوز عامين.

الملاحظ أن هذا الهدف يتم إعلانه وتسويقه في إسرائيل، على اعتبار أن هذا التوقيت مرتبط باستمرارية عمل الحكومة، وبقائها، وعدم تعرض الائتلاف الحاكم لأية مخاطر حقيقية قد تؤدي لتفككه في ظل تربص تكتل ليكود بالعودة إلى تشكيل الحكومة، أو على الأقل العمل من داخل الحكومة الراهنة، وهو أمر لا يغيب عن أذهان قادة الائتلاف الحاكم والمشكل من ثمانية أحزاب وكتل، ليس بينها أي توافق بل يحكمها برنامج شراكة متضارب يعمل في أكثر من اتجاه، وعبر أكثر من سياسة قد تعرقل التوصل لتوافقات عامة حقيقية.

مع هذا الهدف العسكري الموضوع لحماية أمن إسرائيل، والإعلان عن النظام الدفاعي الجديد نجحت الحكومة الإسرائيلية في تمرير زيادة كبيرة في ميزانية الجيش الإسرائيلي بحوالي 7.4 مليار شيكل برغم كل الاعتراضات التي طرحت في أروقة بعض أحزاب الائتلاف الحاكم وخارجه إلا أن الأمر مر في توقيت مهم له دلالاته، خاصة وأن وزارة المالية ولجنة التمرير المالي في الكنيست حددتا الزيادات، والتي لم تقتصر على زيادة رواتب الجنود والضباط بل للقيام بأعمال عسكرية، وتطوير منظومات قتالية وتحديث بعض الأولويات الاستراتيجية في حال تعرض إسرائيل لمخاطر محتملة، بما في ذلك احتمال دخول إسرائيل في مهام عسكرية، كالحرب مع إيران أو القيام بأعمال استخباراتية كبرى في العمق الإيراني، أو في المتوسط، أو في منطقة الممرات المائية، أو الخروج للانخراط في مهام ضمن القوة المركزية الأميركية، والتي باتت تضم إسرائيل ضمن النطاقات العربية.

ما يجري في إسرائيل من تطورات استراتيجية ترتبط أيضاً بسعي جنرالات هيئة الأركان بالعمل على بناء منظومة أمن استراتيجي جديدة ستعد تطوراً مهماً في بناء نظرية أمن قومي جديدة لإسرائيل تعد انقلاباً حقيقياً على النظرية القديمة بكل ثوابتها، ومعطياتها المتعارف عليها، وهو ما يشير إلى أن إسرائيل تسعى لمواكبة حجم المتغيرات والتحديات المستجدة من حولها، والعمل على مواجهتها بصورة استباقية، وبإجراءات قائمة على فكرة الردع المسبق.

* أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية والعلوم السياسية.