تشهد الهند انتخابات لاختيار أعضاء المجالس التشريعية في خمس ولايات مهمة. وتبدأ هذه الانتخابات في «أترابراديش»، أكثر ولايات الهند سكانا، والتي يبلغ عدد سكانها أكثر من 243 مليون نسمة، أي أكثر من عدد سكان بعض الدول الأوروبية. وما يحدث في الانتخابات في هذه الولاية الواقعة شمال الهند يُنظر إليه باعتباره الدور قبل النهائي للانتخابات العامة.

وأترابراديش هي أيضاً الولاية الأهم من الناحية السياسية في الهند، لأنها جزء من قلب المنطقة الناطقة باللغة الهندية، كما أنها ترسل 80 عضواً إلى مجلس النواب بالبرلمان الهندي، وهو الحد الأقصى المسموح به لأي ولاية هندية.

ويحكم حزب «بهاراتيا جاناتا»، الذي يتولى السلطة في عاصمة هذه الولاية ويسعى للاحتفاظ بالسلطة فيها. ولأنها ولاية كبيرة، تجري الانتخابات فيها على مراحل متعددة، بدأت في الأيام القليلة الماضية.

وتُعلن النتائج في 10 مارس. ويُعتقد أن حزب بهاراتيا جاناتا متفوق على أحزاب المعارضة في الانتخابات التي تلعب فيها سياسة الهوية التي تتضمن الطبقة والدين دوراً رئيسياً. وتشمل القضايا الأخرى التنمية والوظائف التي أصبحت موضع تركيز أكبر في أعقاب احتجاجات الطلاب على الوظائف في عدد من القطاعات، وخاصة السكك الحديد.

ومازال حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم، كما كان في الماضي، يعتمد على شعبية رئيس الوزراء ناريندرا مودي، لكن تأثيرات كوفيد-19 طالت الوظائف في الولاية والتضخم وعدداً من القرارات غير الشعبية التي اتخذها رئيس وزراء الولاية.

ولذا، وفي محاولة يائسة لتحويل انتباه الناخبين عن هذه القضايا، أثار مفكرون استراتيجيون للانتخابات من حزب بهاراتيا جاناتا جدلاً حول ارتداء الطالبات المسلمات للحجاب في معاهد عليا. والهدف الوحيد من إصدار تعليمات للمعاهد العليا بعدم السماح للمسلمات بارتداء الحجاب هو ببساطة إثارة الجدل لجذب الناخبين الهندوس على أسس دينية، وللحصول على نتائج لصالح الحزب في انتخابات ولاية أترابراديش. وأشد الخصوم بأساً لحزب بهاراتيا جاناتا هذه المرة ليس حزب «المؤتمر»، بل حزب «ساماج وادي» أو «الحزب الاشتراكي» الإقليمي بقيادة السياسي الشاب أكهيليش ياداف. وظهر ياداف كخصم قوي للحزب الحاكم مستقطباً شريحة من الناخبين.

وساعده على هذا تحالفاته مع عدد من الأحزاب الإقليمية الأصغر. الحزب الحاكم يؤكد أنه يتم توفير وظائف وأن معدل البطالة انخفض، لكن وسائل إعلام هندية استشهدت ببيانات «مركز رصد الاقتصاد الهندي» وأشارت إلى أن عدد العاطلين عن العمل ارتفع من 40 مليوناً في الفترة من يناير إلى أبريل 2017 إلى ما يقرب من 56 مليوناً في الفترة من مايو إلى أغسطس 2021.

وكان تزايد البطالة في الهند يمثل مشكلة قبل الجائحة بفترة طويلة. وهناك أيضاً قضية القوانين الزراعية التي أُلغيت لاحقاً. فقد احتج مزارعون، من بينهم مزارعون من ولاية أترابراديش، على هذه القوانين التي خافوا أن تضعهم تحت رحمة الشركات الكبرى. وألغيت القوانين لكن الغضب ظل قائماً في أوساط قطاعات المزارعين وهو ما يتوقع أن يؤثر أيضاً على هذه الانتخابات.

وفي عام 2017، أدت موجة داعمة لحزب بهاراتيا جاناتا الحاكم إلى حصد 312 مقعداً من إجمالي 384 مقعداً. لكن الفوز في الانتخابات الحالية أمر حاسم بالنسبة للحزب، لأن الفوز سيساعد الحزب على رسم مساره حتى الانتخابات العامة المقبلة الحاسمة. وسيمثل الفوز أيضاً دعماً لرئيس الوزراء الحالي للولاية، يوغي آدتياناث، الذي كان اختياره مفاجئا للمنصب عام 2017. فقد كان آدتياناث كاهنا هندوسياً لا يزال يرتدي الثوب الزعفراني اللون للرهبان الهندوس، وكان يتبنى قائمة أولويات قومية هندوسية جريئة.

ويرى كثيرون أن نجمه سيصعد أيضاً على المسرح الوطني إذا عاد حزب بهاراتيا جاناتا إلى السلطة. وليس هناك إلا القليل من الشك في أن انتخابات ولاية أترابراديش ستحدد إيقاع وسياق الفترة التي تسبق الانتخابات العامة التي يسعى فيها مودي للفوز بولاية ثالثة. والولايات الأربع الأخرى التي ستشهد انتخابات هي غوا ومانيبور وأتراكهاند والبنجاب. والبنجاب ولاية حدودية ومزدهرة للغاية، ولذا فانتخاباتها مهمة أيضاً. ويحكم هذه الولاية حالياً حزب «المؤتمر». ومن ثم تتركز الأنظار على هذه الانتخابات لقراءة الأجواء السياسية داخل البلاد.

*رئيس مركز الدراسات الإسلامية في نيودلهي.