تضم «الرباعية»، المعروفة أيضاً باسم «الحوار الأمني الرباعي»، أربع دول هي الولايات المتحدة والهند وأستراليا واليابان. وقد طُرحت فكرة تشكيل الرباعي للمرة الأولى قبل أكثر من 15 عاماً. وفي البداية، لم يظهَر المنتدى للوجود لأن المجموعة وقعت ضحية تناقضاتها.

ودخلت الفكرة في حالة سبات بعد معارضة الصين للتجمع الذي اعتبرته وما زالت تعتبره معادياً لمصالحها، ويستهدف تقييد صعودها في آسيا والعالَم. ثم انبثت الحياة في التجمع قبل ثماني سنوات بجدول أعمال أكثر تنوعاً. ويرى منتقدو الرباعية، وخاصة الصين، أن المجموعةَ ليست إلا نسخة آسيوية من حلف شمال الأطلسي (ناتو).

لكن في حلقة نقاش خلال مؤتمر ميونيخ للأمن قبل أيام من الآن، عارض وزير الخارجية الهندي، سوبرامانيام جايشانكار، هذا التصور حول التجمع الذي يكتسب زخماً فيما يبدو مع تركيز جدول أعماله بشكل أكبر. ونفى الوزير الهندي الفكرة القائلةَ بأن «الرباعية» نسخة آسيوية من حلف شمال أطلسي، وذكر أن تجمع الدول الأربع جاء استجابةً لجعل العالم أكثر تنوعاً وتعدداً، وأن جميع الدول الأربع «لديها مصالح وقيم مشتركة، وقدر كبير من الألفة، تصادف أنها في الأركان الأربعة من منطقة المحيطين الهندي والهادئ».

صحيح أن جميع الدول الأعضاء في المجموعة لا تتطابق وجهات نظرها في قضايا كثيرة، مثل اتفاقية «التجارة المتعلقة بجوانب حقوق الملكية الفكرية». فالبلدان النامية تسعى إلى الحصول على إعفاء من اشتراطات حقوق الطبع والنشر والنماذج الصناعية وبراءات الاختراع الواردة في الاتفاق من أجل احتواء كوفيد-19 والوقاية والعلاج منه، لكن الهند تؤكد أن الرباعية لها مساهمة إيجابية في اطراد تحسن العلاقات بين شركاء المجموعة الرباعية على مدى أكثر من عقد.

وترى الهند أن التجمع مهم لاعتقادها أنه لا يوجد بلد واحد، ولو كان الولايات المتحدة، يمكنه مواجهة التحديات العالمية بمفرده. واتفقت دول الرباعية على الاعتماد في عملها على تقنيات التكنولوجيا الحيوية الناشئة وعلى التطبيق المشترك لهذه التقنيات وتبادل بيانات الأقمار الاصطناعية لتحسين الوعي بالمجال البحري والتعاون فيما بينها لتحسين القدرات السيبرانية.

والهند بوجه خاص حريصة على التعاون في مختلف القضايا في إطار الرباعية بما في ذلك التعاون بشأن اللقاحات والتعاون في التقنيات الناشئة. كما برزت الهند كدولة محورية في مبادرة الرباعية للقاحات. وتسعى الدول الأعضاء إلى التعاون لتقديم مليار جرعة من لقاحات كوفيد-19 لدول جنوب شرق آسيا خلال عام 2022. وتعتبر الهند قاعدةَ تصنيع اللقاحات بينما يقدم الآخرون كل شيء من التمويل إلى المعرفة. والهند واحدة من أسرع الاقتصاديات نمواً في العالم، ولذا تعتبر شريكاً حيوياً في المجموعة الرباعية، كما دأبت الولايات المتحدة على تعزيز علاقاتها الثنائية مع الهند.

وقد وصف البيتُ الأبيض الهندَ بأنها «قوة دفع للرباعية ومحرك للنمو الإقليمي». وهذه التصريحات توضح أن الهند هي محور نجاح الرباعية، كما أنها تضع الهند في قلب موقف الرباعية من تحقيق الاستقرار والأمن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. ولا شك تقريباً في أن أهمية الرباعية وفعاليتها تعتمد على المبادرات التي أعلنتها. وهناك تواصل منتظم على مستوى رفيع بين أعضاء الرباعية.

وأحدث تجليات هذا التواصل هو «الحوار الأمني الرباعي لوزراء الخارجية» الذي عقد في أوائل فبراير في ملبورن الأسترالية. وناقش وزراء الخارجية، في الاجتماع، التحديات الأمنية المتعلقة بالتطورات في ميانمار والأزمة التي تتكشف فصولها في أوكرانيا وظهور التهديد الذي تمثله «المساحات غير الخاضعة للحكم» في أفغانستان بالنسبة لأمن المحيطين الهندي والهادئ. لكن لم يتضمن البيانُ المشتركُ الختامي للاجتماع قضية أوكرانيا. وليس لدى الدول الرباعية نهج موحد أو وجهة نظر موحدة تجاه الأزمة الأوكرانية

. فالهند، على سبيل المثال، لها علاقات وثيقة مع روسيا، وحرصت دوماً على إحداث توازن في علاقاتها بين روسيا والولايات المتحدة. ولذا رفضت الهند المضي في أي اتجاه قد يتطلب منها انحيازاً. لكن من الجوانب الرئيسة للمجموعة الرباعية التي ساعدت في تقدمها هو أنها لا تقدم نفسَها كتجمع عسكري، بل أوضحت الولايات المتحدة أن التعاون ليس عسكرياً. ولربما توخت الهندُ الحذرَ من التجمع لو كان له قائمة أولويات عسكرية صريحة. ولا شك تقريباً في أن الرباعية لديها فرصة جيدة للغاية في تحقيق النجاح، كما أن المبادرة اكتسبت زخماً بالتأكيد.

وللتجمعات، مثل الرباعية، أهمية في ضمان عدم تحرك العالم نحو أحادية القطب بل نحو تعدد الأقطاب. وتستطيع أن تلعب الرباعية أيضاً دوراً رئيسياً في تحقيق الاستقرار وسط تغييرات كثيرة يشهدها النظام العالمي. لكن الزمن وحده هو ما سيخبرنا بالشكل الذي ستتخذه المبادرة في نهاية المطاف.

*رئيس مركز الدراسات الإسلامية -نيودلهي