قبل اشتعال الحرب بين روسيا وأوكرانيا بأيام قليلة، كان الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» والرئيس الصيني «شي جين بينغ» في بكين يرسمان شكلاً جديداً للعالم من خلال توقيعهما بياناً مشتركاً ينص على أن العلاقات الدولية قد دخلت عصراً جديداً.

وأبدت الدولتان في البيان كذلك همومهما المشتركة تجاه الأنشطة البيولوجية العسكرية التي تقوم بها الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها حول العالم. ولم يغفل البيان بالطبع دعوة واشنطن للتخلي عن خطط نشر صواريخ متوسطة وقصيرة المدى في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وأوروبا. توقيت زيارة الرئيس الروسي بوتين لبكين يحمل الكثير من الأهمية، إذ إنه سبق بأيام قليلة العمليات العسكرية القائمة اليوم، ولابد أن الرئيسين ناقشا في لقائهما نوايا موسكو تجاه كييف، والتطورات الاقتصادية والعسكرية والسياسية، التي قد تنشأ عنها، والتحالفات الدولية التي قد تتشكل إثرها.

والحقيقة أن ما لفت انتباهي في هذه الزيارة ونتائجها هو إصرار البلدين الكبيرين على صناعة عالم جديد يحل مكان العالم الذي (عرفناه ولم نتآلف معه) منذ أكثر من ثلاثين عاماً. بعد الحرب العالمية الثانية وسقوط ألمانيا وإيطاليا واليابان، نشأت قوة عالمية بحكم الأمر الواقع تجمع «المنتصرين الخمسة»، وصنعت لها مجلساً أعلى للتحكم بالعالم وأسمته مجلس الأمن.

لكن لأن «دوام الحال من المحال»، فقد تكدر صفاء العلاقات بين هذه الدول بمرور الأيام والسنين، واجتمعت أميركا وبريطانيا وفرنسا في قارب واحد، ومدت حبل الإسعاف لليابان وإيطاليا وألمانيا بشروط محددة، فيما اختار الاتحاد السوفييتي أن يركب قاربه الخاص، وغابت الصين مؤقتاً عن مشهد البحر! وفي أوائل التسعينيات من القرن الماضي، سقط الاتحاد السوفييتي وتفكك إلى جمهوريات ذات إثنيات وأديان مختلفة، وأصبح الحلف الأميركي البريطاني الفرنسي هو المهيمن على المشهد العالمي، الأمر الذي جعل أغلب الصراعات الإقليمية حول الكرة الأرضية في الثلاثين عاماً الماضية تبدأ بمباركة أميركية وتستمر بعناية أميركية وتنتهي برضا أميركي!

وتصب بعد ذلك فوائدها ومكاسبها في خزينة الدول الكبرى الثلاث. اليوم تفكر روسيا والصين في معادلة القطبية العالمية، ليس فقط بحضور (صوري) في مجلس الأمن، وإنما باستراتيجيات اقتصادية وسياسية وعسكرية فاعلة على الأرض، الأمر الذي سينقل العالم إلى المرحلة الثالثة ما بعد الحرب العالمية الثانية. لكن السؤال يبقى، هل يمكن للدول الإسلامية والعربية أن توجد لها مكاناً في الخريطة العالمية الجديدة كقطب صاعد في هذه المرحلة؟ أظن أن الإجابة عن هذا السؤال معقدة نوعاً ما، إذ إن العملاق الإسلامي يجب أن يكون أولاً عملاقاً متصالحاً مع نفسه من الداخل، ثم يكون قادراً بعد ذلك على تقديم نفسه للعالم كمكون مدني في مقابل مكونات مدنية أخرى وليس كياناً دينياً تائهاً في عوالم لا تشبهه! الغرب عالم مسيحي من الداخل، هذا أمر لا جدال فيه، لكنه في العلاقات الدولية يعرف كيف يبدو مسلماً أكثر من المسلمين! كيف نبدأ في صنع قطبيتنا؟ بالحياد المدروس بين الشرق والغرب! كيف ننطلق الآن؟ بدعوة موسكو وكييف لطاولة المفاوضات في «المدينة المنورة» وبرعاية منظمة التعاون الإسلامي.

*كاتب سعودي