عندما بدأت مجموعة مؤيدة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في فنلندا الأسبوع الماضي في توزيع عريضة تطالب بإجراء استفتاء حول ما إذا كان ينبغي على الدولة غير المنحازة تقليدياً الانضمام إلى الحلف، الذي تقوده الولايات المتحدة، كان الرد كاسحاً. فقد حصلت العريضة على 50000 توقيع، وهو العدد المطلوب للحث على مناقشة إجراء الاستفتاء في البرلمان في غضون ساعات في بلد يبلغ عدد سكانه 5.5 مليون نسمة فقط.

انعكست حماسة الاستفتاء في استطلاع للرأي أذاعته الإذاعة الحكومية الفنلندية يوم بضعة الماضي. وللمرة الأولى منذ عقود من طرح نفس السؤال على الفنلنديين، قال غالبية من شملهم الاستطلاع - بنسبة 53% - إنهم يفضلون الانضمام إلى «الناتو. قبل شهر واحد فقط قدرت صحيفة «هيلسينجين سانومات» هذه النسبة بأقل من 30%. فما الذي تسبب فيما أسماه رئيس الوزراء الفنلندي السابق أليكس ستوب «التحول التاريخي»؟ باختصار، روسيا.
تقول «هانا أوجانين»، الخبير في التكامل الأمني الأوروبي بجامعة تامبيري الفنلندية: «الأمر واضح تماماً، في الواقع، فإن العدوان الروسي على أوكرانيا هو السبب وراء ذلك».
وتضيف: «لقد كان الناس نظرياً قلقين بالفعل بشأن [روسيا]، ووضعوها في مكان ما بين التهديدات العديدة لفنلندا». ولكن الآن، مع وقوف أوكرانيا بمفردها ضد جارتها القوية، «يفهم الناس ما يعنيه ذلك، حتى لو كانت لديك شراكة قوية مع الناتو ولكنك لست عضواً، فلن تأتي قوات الناتو للدفاع عنك»، بحسب ما قالت.
الاهتمام المتزايد بحلف «الناتو» بين الفنلنديين، هو مجرد مثال واحد على أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يتمكن من جعل الحلف يتراجع أو أن يتمكن من إضعاف الوحدة الأوروبية وعبر الأطلسية التي بدت كأهداف مركزية لحربه على أوكرانيا.
لقد شعرت روسيا لسنوات بخطر من المؤسسات الجماعية في أوروبا، وخاصة منظمة حلف شمال الأطلسي وكذلك الاتحاد الأوروبي. وقد توسعت كلاهما باتجاه الشرق، حيث تتطلع دول وسط وشرق أوروبا بشكل متزايد نحو الغرب بحثاً عن نماذج للأمن والازدهار - بالإضافة إلى قيم مثل الديمقراطية والحريات المدنية وحقوق الإنسان.
ولكن من خلال شن حرب وغزو دولة ذات سيادة في وسط أوروبا، فإن بوتين يحقق العكس. ليس فقط أن توسع الناتو مطروح على الطاولة بطريقة لم تكن موجودة منذ سنوات، بل أيضاً أن الاتحاد الأوروبي الذي يتسم ببطء الحركة والبيروقراطية يظهر نشاطاً جديداً: تقديم 500 مليون دولار من المساعدات العسكرية لأوكرانيا، فيما تعد المساعدات الأولى لأمة أوروبية زميلة.
وقد وصفت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، التي بدت وكأنها تخاطب بوتين مباشرة، أوكرانيا في خطاب ألقته الأسبوع الماضي بأنها «واحدة منا، ونريدها في الاتحاد الأوروبي».
بالنسبة للعديد من المسؤولين والخبراء الإقليميين، أخطأ بوتين في التقدير، فهو يعمل عن غير قصد على توحيد أوروبا وتقوية العلاقات عبر الأطلسي. يقول راجان مينون، الخبير في دول ما بعد الاتحاد السوفييتي ومدير برنامج الإستراتيجية الكبرى في مؤسسة «أولويات الدفاع» بواشنطن: «هذه الحرب شنتها روسيا بشكل أساسي للتأثير على مسار أوكرانيا ومنعها من التحرك أبعد وأبعد نحو الغرب. ولكن مما نراه من بعض القادة والمؤسسات الأوروبية، ربما يكون ذلك قد أتى بنتائج عكسية».
وفي الأسبوع الماضي، قال الرئيس جو بايدن لبراين تايلور، وهو شخصية مؤثرة في وسائل التواصل الاجتماعي: «الناتو ليس فقط أكثر توحداً، انظر إلى ما يحدث في فنلندا، والسويد، والبلدان الأخرى».
والواقع أن السويد هي مثال آخر على ذلك. لطالما تمسكت السويد بفكرة أنه من الأفضل البقاء خارج أي تحالفات عسكرية، لكنها تقلد شريكها الدفاعي الوثيق فنلندا وتميل بشكل متزايد نحو السعي للحصول على عضوية الناتو.
وفي إطار التأكيد على تنشيط العلاقات عبر الأطلسي، حضر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين اجتماعاً لوزراء خارجية شالناتو في مقر الحلف في بروكسل يوم الجمعة، قبل الانتقال إلى المحطات المخطط لها في دول البلطيق وأوروبا الشرقية.
وأشارت وزارة الخارجية إلى أن وزيري خارجية فنلندا والسويد حضرا اجتماع الناتو. لقد خاضت فنلندا، التي تشترك في حدود بطول 800 ميل مع روسيا، حربين ضد الاتحاد السوفييتي خلال الحرب العالمية الثانية قبل إعلان الحياد. وظلت السويد محايدة خلال الحرب العالمية الثانية، ولم تخض حرباً على أراضيها منذ أكثر من 200 عام.
يقول «ماجنوس كريستيانسون»، الأستاذ المشارك في استراتيجية الدفاع في جامعة الدفاع السويدية في ستوكهولم، قدر كبير من «التحول الكبير» في تفكير السويد قد حدث في الأسابيع الأخيرة فقط. ويضيف: «الدافع الأكبر لذلك يكمن في السياسة الروسية، التي تسعى إلى جعل السويديين يخافون من الانضمام إلى الناتو، لكن العكس هو الصحيح في الرأي العام».
أظهر استطلاع للرأي نشرته صحيفة «افتونبلاديت» يوم الجمعة أنه ولأول مرة يفضل غالبية السويديين عضوية الناتو. وارتفع التأييد للانضمام إلى 51%، بزيادة 9 نقاط من استطلاع تم إجراؤه قبل شهر واحد. ووجدت استطلاعات أخرى أن التحول الأكبر كان بين «المترددين» في السابق والذين تأرجحوا لصالح عضوية الناتو. ويقول كريستيانسون إن هذا يمكن أن يعزى مباشرة إلى هجوم روسيا على أوكرانيا.
ويضيف أن السويديين كانوا راضين منذ فترة طويلة عن أن الدولة ليست منخرطة مع «الناتو». لكن الحرب - والتهديدات الروسية المتصاعدة ضد السويد، بما في ذلك توغل أربع طائرات مقاتلة روسية يوم الأربعاء في المجال الجوي السويدي - هي تذكير له ثمن.
وأوضح: «عندما تعود الأحداث بالجميع إلى الضمان الذي تكفله المادة الخامسة - بند ميثاق الناتو بشأن الدفاع الجماعي للأعضاء – فأنت تدرك تماماً تكلفة عدم التواجد على طاولة الأعضاء».
في حين أن التأرجح في الشمال لصالح عضوية «الناتو» قد يكون إلى حد كبير مسألة عملية تتعلق بالأمن القومي، يقول خبراء مثل كريستيانسون إن العوامل الأساسية، مثل الرغبة في دعم المبادئ والمثل العليا مثل الحريات السياسية، لا ينبغي استبعادها.
في الواقع، فإن الطريقة التي يُنظر بها إلى الحرب الروسية في أوكرانيا على أنها تهديد للديمقراطية الأوروبية والحرية هي في صميم الإجراءات غير المسبوقة من جانب الاتحاد الأوروبي - المجتمع الاقتصادي والسياسي الذي تعد كل من فنلندا والسويد أعضاء فيه.

هوارد لافرانشي*
*المراسل الدبلوماسي لصحيفة كريستيان ساينس مونيتور في واشنطن العاصمة
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»