كان الأمل يحدو المؤرخ البريطاني الكبير أرنولد توينبي في انتهاك الطائرات الأميركية المجال الجوّي السوفييتي لإلقاء كميات مترجمة باللغة الروسية لكتاب مواطنه الفيلسوف الشهير برتراند راسل، وهو الكتاب الذي يحمل تساؤلا لَطالما تهرّب منه الإنسان. كتب توينبي أمنيته تلك في مقالةٍ نُشرت عام 1961 يستعرض فيها كتاب راسل، والذي كان قد صدر في العام نفسه بعنوان «هل للإنسان مستقبل؟»، وكانت الأمم التي تمتلك القدرة الذرية آنذاك ثلاث: اثنتان تتكلّمان الإنجليزية (الولايات المتحدة وبريطانيا)، والثالثة تتكلّم الروسية (الاتحاد السوفييتي). أما راسل فبعد أن يشنّ في كتابه هجوماً كاسحاً على الإنسان الذي كان جهله خيرٌ له مِن علمه، وذلك مِن حيث امتلاكه العِلم الذي يمكّنه مِن إفناء البشرية عن بكرة أبيها، ويعني الأسلحة النووية، فإنه بعد أن ينتهي مِن ذلك التعنيف الشديد يجدّد أمله في الإنسان الذي حقق مكاسب روحية وقطع أشواطاً فكريةً، ثم يضع مواطني الدول النووية أمام مسؤوليتهم إزاء الخطر الذي ينذر الجنسَ البشري بالفناء، فمهما كانت حجج القتال من أجل المصالح القومية، فإنّ هذه المصالح كلها ستفنى بفناء الإنسان.
ولو كان توينبي حاضراً اليوم، لكان قد تمنى ترجمة كتاب راسل إلى المزيد من اللغات: الفرنسية، والصينية، والكورية، والهندية، والأوردية، والعِبرية، وربما الفارسية.. فكل هذه الأمم نوويةٌ بطريقة أو بأخرى، وبعبارة ثانية: ما يقارب من نصف البشر بقليل يعيشون الآن في ظلّ دول لديها قدرة على تحويل الأرض إلى كرة ملتهبة من النار. 
ووفقاً للمعلَن عنه فإنّ الدول التي تمتلك الرؤوس النووية هي: روسيا والولايات المتحدة والصين وفرنسا وبريطانيا وباكستان والهند وإسرائيل وكوريا الشمالية، والتعداد السكاني لهذه الدول يصل إلى أكثر من ثلاثة مليارات نسمة، ليكون مجموع الشعوب غير النووية نحو أربعة مليارات، إذا أخذنا في الاعتبار أن تعداد البشر يبلغ سبعة مليارات نسمة.
ومن المستبعد ألا تفكّر الدول غير النووية حتى الآن في التحوّط نووياً بعد الذي حدث لأوكرانيا، فهذه الدولة التي وافقت طواعيةً على إزالة ترسانتها النووية عقب إعلان انهيار الاتحاد السوفييتي بثلاث سنوات، وذلك مقابل تمتعها بالاستقلال وحصولها على ضمانات بعدم التعرّض لها، ما لبثت إلا 27 عاماً وإذا بالدبابات والطائرات والسفن الحربية تقتحمها من كل جانب، حتى أنّ بعض المراقبين اعتبروا أنّ أوكرانيا وقعت في الفخ حين تخلّت عن قوة الردع النووي.
ومن المؤكد أنّ دعوات الفلاسفة والخيّرين بتخليص العالَم من الأسلحة النووية لم تلقَ آنذاك، ولن تلقى الآن ومستقبلاً، أذناً مصغيةً، ما دامت الثقة مفقودة بين البشر؛ فالنادي النووي يزيد عدد أعضائه ولا ينقص، ولعل الحرب الروسية الأوكرانية الجارية أكّدت أنه ليس من الحكمة بعد الآن الوثوق كثيراً في التطمينات والتعهدات. 
وقد يكمن مستقبل الإنسان على وجه الأرض في تمتّع الجميع بالقوة النووية، وذلك على عكس ما آمن به برتراند راسل، فما دام نصف البشر يمتلكون تلك القوة، ونصفهم لا يمتلكه، فإنه لا شيء يردع الذين يمتلكون إلا امتلاك الذين لا يمتلكون.

كاتب إماراتي