من أين تستمد أوروبا والغرب الأوسع طاقته الآن؟ سؤال يسعى القادة جاهدين للإجابة عليه.  الهجوم الروسي على أوكرانيا  قد أجبر الغرب على موقف يتمثل في «انعدام النفط والغاز الروسي»، وهو سيناريو لم يتوقعوه. مع جولة بوريس جونسون الأخيرة في الخليج وإرسال البيت الأبيض لبايدن مذكرات تصالحية إلى السعودية والإمارات، فإن الحصول على المزيد من النفط من الجزيرة العربية هو موضوع الساعة.
لكن المطلب الغربي قوبل بالمقاومة. ولكي تنجح دول الخليج، فإنها تتوقع «إعادة ضبط» في العلاقات مع الغرب على أسس أكثر إيجابية.
عندما وصل إلى السلطة، بالكاد أخفى الرئيس الأميركي جو بايدن نيته في تهدئة العلاقات مع حلفاء أميركا القدامى في شبه الجزيرة العربية. وبالمقارنة بالإدارة السابقة، فإنه على الرغم من جميع أخطائه، أقام الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب علاقات قوية مع دول الخليج، حيث شعروا على الأقل أن مخاوفهم قد سمعها البيت الأبيض المستجيب. فيما يتعلق بموضوعات تتراوح من تسليح إيران للمتشددين إلى البيع المضطرب لطائرات F-35 المقاتلة إلى الإمارات العربية المتحدة، رأت القوى الخليجية بشكل متزايد أن مخاوفها تنحرف إلى الهامش من خلال إدارة تنتقل من حيث توقفت في عهد أوباما.
 
كانت هذه اللامبالاة الملحوظة أفضل مثال على ذلك في وقت سابق من هذا العام عندما هاجم المتمردون «الحوثيون» في اليمن مصفاة لتكرير النفط في أبوظبي، مما أسفر عن مقتل ثلاثة مدنيين. كانت أروقة السلطة في أبوظبي والرياض تنتظر إدانةً شديدةً من حلفائها الغربيين لم تأت أبدًا. أضف إلى ذلك إزالة بايدن الفورية لتصنيف «الحوثيين» كإرهابيين عند توليه منصبه، ومن السهل أن نرى سبب زيادة عدم ثقة الخليج في البيت الأبيض أكثر من أي وقت مضى.
علاوة على ذلك، فإن الرغبة اليائسة المتزايدة في إحياء الصفقة الإيرانية المشؤومة، على الرغم من سنوات من قيام حلفاء الخليج  بإثارة مخاوف مشروعة بشأن تسليح طهران لوكلائها وإسقاط الصواريخ، لا تزال تترك طعمًا مريرًا. الآن جاء هؤلاء الحلفاء أنفسهم يطلبون خدمة. ليس من المفاجئ أن نراهم يتلقون استقبالًا فاترًا.
يقع الحلفاء الغربيون مرارًا وتكرارًا في فخ النظر إلى الدول الخليجية على أنهم شركاء مصلحة، وليسوا حلفاء لهدف طويل الأمد. الآن، في مواجهة أزمة طاقة  أشبه بالصدمة، فإن توقع قيام منتجي النفط ببساطة بتشغيل الصنابير بنقرة من أصابع واشنطن أو بروكسل هو أمر غير واقعي. يجب أن يتوقف الغرب عن النظر إلى هذه العلاقة من منظور الملاءمة والمعاملات وأن يتطلع إلى بناء شراكة قوية قائمة على الاحترام المتبادل لمصالح الآخر والتكامل الأعمق في المجالات الواضحة للقواسم المشتركة.
كيف يمكن تحقيق إعادة الضبط هذه وما الذي يجب أن تستند إليه؟ مهما كانت الشكوك التي قد تكون لدى البعض في الغرب، فإن الاستقرار الذي توفره دول الخليج لا يمكن إنكاره. يحتاج المرء فقط لرؤية ناطحات السحاب في دبي وجدة ليرى ما أنجزته هذه الدول من استقرار وازدهار. يجب أن يكون هناك اعتراف ودعم أكبر لهذا الدور الذي يؤدي إلى تحقيق الاستقرار وأقل استرضاء لأولئك الذين يسعون إلى قلب المنطقة عن طريق الإرهاب أو الخطاب المتطرف.
والسبب في أن عملاقاً  في مجال  الطاقة مثل الإمارات العربية المتحدة في وضع يمكنه من مساعدة العالم في وقت أزمة الطاقة هو على وجه التحديد بسبب هذا الاستقرار. ومع ذلك، فقد شهدت الأشهر الأخيرة قيام الدبلوماسيين الأميركيين والأوروبيين ببذل جهود سياسية في فيينا للالتزام بمصالح إيران، وهي دولة تسلح وكلاء مثل الحوثيين الذين هاجموا بالفعل موارد النفط التي يسعى القادة الغربيون الآن وبشدة إلى الحصول عليها.مكافحة الإرهاب والتطرف مجال آخر ترتكز فيه العلاقات الغربية-العربية على أسس قوية، وستكون البداية الإيجابية هي الاعتراف بالحوثيين كإرهابيين مرة أخرى، لا سيما بالنظر إلى محاولاتهم المتكررة والصارخة لضرب قلب الحلفاء الذين تسعى القوى الغربية الآن إلى استمالتهم. في الواقع، يبدو أن بايدن وفريقه قد فهموا الرسالة ويبدو أنهم يفكرون في مثل هذه الخطوة.

كانت الدبلوماسية الغربية تجاه الخليج منذ الهجوم الروسي على أوكرانيا غير مُرضية إلى حد ما. بصراحة، من غير اللائق اعتبار المنطقة شكلاً من أشكال أجهزة الصراف الآلي، قادرة على ضخ المزيد من النفط عند الحاجة. يجب أن يُنظر إلى هذا الآن على أنه فرصة لإعادة تشكيل تحالف أقوى بين العالمين العربي والغربي، على أساس الاحترام المتبادل لمصالح بعضهما البعض والاعتراف بالدور الحاسم الذي يلعبه هؤلاء الحلفاء بما يتجاوز مجرد توفير المواد الهيدروكربونية.
 
فرانكو فراتيني*

وزير خارجية إيطاليا الأسبق

نقلاً عن صحيفة «ديلي تلجراف» البريطانية.