تدخل الحرب في أوكرانيا شهرها الثاني، مع بعض الآمال في إمكانية التفاوض حول وقف لإطلاق النار من أجل السماح بإجلاء المدنيين العالقين في شرق البلاد وجنوبها، لاسيما في مدينة ماريوبول الساحلية، إذ تشير التقديرات إلى أن نحو خمسة آلاف شخص على الأقل في هذه المدينة قُتلوا وأن أكثر من 100 ألف آخرين ما زالوا عالقين فيها بدون ماء أو غذاء أو كهرباء. وإذا لم يتم إجلاء هؤلاء الأشخاص، فإن كارثة إنسانية واسعة النطاق ستحدث وستظهر على شاشات التلفزيون والهواتف النقالة حول العالم. وهذا ليس حدثاً يرغب الروس في أن يحدث على اعتبار أنه سيضمن زيادة جهود البلدان الغربية لتزويد أوكرانيا بمزيد من الأسلحة والإمدادات الطبية والمواد الغذائية. 
وهناك أيضاً تقارير تفيد بأن روسيا تعيد حالياً تقييم أهدافها الاستراتيجية من أجل قصر أنشطتها العسكرية على الأجزاء الشرقية من البلاد وسحب قواتها من المنطقة المحيطة بالعاصمة كييف. وأحد الأسباب الممكنة لمثل هذا القرار هو فشل القوات الروسية في محاصرة المدينة وإرغام سكانها على الاستسلام. والخيار الوحيد على الميدان حالياً هو أن تستمر روسيا في القصف والضربات الصاروخية العشوائية على المدينة، والتي وإن كانت مرعبةً إلا أنها لن تمكّن القوات الروسية من احتلال هذه المدينة الكبيرة. 
بارقة الأمل هذه تنبغي موازنتها باستمرار مع المخاوف القائمة من أن يؤدي أي استمرار للحرب إلى تطورات خطيرة للغاية، بما في ذلك احتمالات التصعيد. وهذا الأمر يمكن أن يشمل حوادث في محطات الطاقة النووية الأوكرانية وحدوث تسرّب إشعاعي يمكن أن ينتشر بسرعة ويمتد إلى البلدان المجاورة. تحت هذه الظروف، ستتسع رقعة الحرب ويمكن أن تزيد من الضغط على بلدان أخرى، بما في ذلك أعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، من أجل التدخل في حال أصبح مواطنوها مهدَّدين بالإشعاع النووي. والواقع أن مثل هذا الحادث محتمل أكثر من إمكانية استخدام روسيا لأسلحة كيماوية أو نووية، إذ أكد المتحدثون الرسميون الروس أن مثل هذه الخطوة الجذرية لن يتم التفكير فيها إلا إذا مثَّلت الأحداث في أوكرانيا تهديداً «وجودياً» لروسيا، وهو أمر مستبعد للغاية في هذه المرحلة من الحرب. 
ويتزايد الضغط على كل من روسيا وأوكرانيا من أجل التوصل إلى تسوية ما. كلا البلدين تكبدا خسائر بشرية ومادية كبيرة. وبالنسبة لموسكو فهذا يعني أن أخبار القتلى الروس في المعارك ستتكشف في نهاية المطاف وتنهي التعتيم الإخباري الرسمي. وبينما تعلم أمهات الجنود الروس أن أبناءهن ضمن المصابين في الحرب التي كان من المفترض أن تنتهي بالنصر في غضون أيام، فإنهن لن يكنَّ راضيات عما يحدث. وإذا كانت التقديرات حول أعداد الجنود الروس الذين قُتلوا وجُرحوا في أوكرانيا صحيحة، فإنها باتت قريبة من عدد الإصابات السوفييتية المسجلة خلال 10 سنوات من الحرب في أفغانستان (1979-1989). 
وبالنسبة لأوكرانيا، كان حجم القتلى (بين العسكريين والمدنيين) ودمار المدن مروعاً. وحينما ينتهي القتال، ستكون تكاليف إعادة إعمار أوكرانيا هائلة، وحينها ستثار الأسئلة بخصوص مَن سيدفع ثمن إعادة الإعمار؟ المطالبة الأولى ستكون أن تتحمل روسيا معظم العبء، على اعتبار أنها هي التي بدأت الحرب! غير أنه بالنظر إلى تأثير العقوبات الدولية على الاقتصاد الروسي، فإنه سيكون من الصعب إقناع موسكو بأن عليها أن تدفع الثمن. 
وفي نهاية المطاف، ربما ستضطر أوروبا للتكفل بمعظم المساعدة. وإذا حدث ذلك، فيمكن القول إن أوكرانيا ستصبح على نحو لا مفر منه أقرب إلى الاتحاد الأوروبي بغض النظر عن الالتزامات التي قد تكون التزمت بها لروسيا بخصوص عدم الانضمام إلى حلف «الناتو». ونتيجة لذلك، سيتبدد ويتلاشى طموح الكريملين لإلحاق أوكرانيا بروسيا الكبرى، وعِوضاً عن ذلك ستجد روسيا نفسَها إزاء غرب أكثر اتحاداً من أي وقت مضى منذ ذروة الحرب الباردة. 

مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشيونال إنترست» -واشنطن