خلال السنوات الأخيرة، عملت الهند وأعضاء «المنتدى الأمني الرباعي» على تعزيز علاقاتهم. هذا التقارب كان واضحاً عندما زار رئيسُ الوزراء الياباني فوميو كيشيدا الهندَ الأسبوعَ الماضي من أجل القمة اليابانية الهندية السنوية. وعلى نحو منفصل، شارك رئيس الوزراء الأسترالي أيضاً في قمة هندية أسترالية افتراضية ناقشت مواضيع ثنائية ودولية مثل التطورات في أوكرانيا. 
وتربط بين الهند واليابان علاقاتٌ وثيقة ما فتئت تزداد متانةً. وكان هذا واضحاً عندما ناقشت القيادة الهندية بشكل معمَّق التعاونَ الاقتصادي المهم بين البلدين، إذ انكب الجانبان على مناقشة كل المواضيع تقريباً، من تصدير المانجو الهندي إلى اليابان إلى استيراد التفاح الياباني من جانب الهند، بما في ذلك استثمار الهند حوالي 42 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة في اليابان. كما اتضح توافقٌ في وجهات النظر حول القضايا الدولية أيضاً، إذ ينظر البَلدان إلى أحدهما الآخر باعتباره مهماً من أجل السلام والاستقرار والتنمية في منطقة المحيط الهادئ. وفي هذا الإطار، اتفق الجانبان على التعاون في مجالات أحدث، مثل تقاسم المعلومات، والأمن السيبراني، والسكن الاقتصادي، وإدارة الفيضانات الحضرية، والصرف الصحي، ونظام إدارة النقل الذكي. 
وبالمثل، كانت المباحثات مع أستراليا مهمة أيضاً. فقد عُقدت القمة الافتراضية بين أستراليا والهند بعد يوم على زيارة رئيس الوزراء الياباني. وكانت العلاقات بين الهند وأستراليا قد تعمقت خلال السنوات الأخيرة، حيث ازداد التعاون في مجالات الدفاع والتجارة والاستثمار. وتناولت المباحثات الثنائية قضايا دولية مثل الوضع في ميانمار، حيث دعا الطرفان إلى تبني مقاربة تصالحية. غير أن العلاقات الثنائية شكّلت جزءاً مهماً من المباحثات، إذ اتفق زعماء البلدين على تعميق التجارة وتوسيع التعاون في مجالات مثل المعادن النادرة.
شركة المعادن الهندية «كابيل» و«مكتب المعادن النادرة» الأسترالي قررا إنشاءَ إطار لبناء شراكات في الاستثمار في المعادن النادرة. كما يتفاوض البلدان حالياً حول «اتفاقية التعاون الاقتصادي الشامل» ويخططان لتوقيع «اتفاقية حصاد مبكر» قريباً. وقد تحقق الكثير من التقدم في المفاوضات في هذا الخصوص خلال وقت قصير جداً. 
وتُعد العلاقات مع كل من أستراليا واليابان مهمة بالنسبة للهند، في وقت تسعى فيه هذه الأخيرة إلى تعزيز دورها في العالم والوصول إلى عالم متعدد الأقطاب. غير أنه في الوقت نفسه، حرص رئيس الوزراء الهندي في محادثاته مع الزعيمين على الحفاظ على استقلالية الهند الاستراتيجية. فإذا كان «عضوا المنتدى الأمني الرباعي»، اليابان وأستراليا، قد انتقدا الغزو الروسي لأوكرانيا، فإن الهند أحجمت عن الانحياز إلى أحد الأطراف، متبنيَّةً موقفاً متوازناً لا ينحاز إلى أي طرف. والواقع أن عضوَي «الرباعي» الذي تقوده الولايات المتحدة، وهما اليابان وأستراليا، لم يندّدا بالعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا فحسب، وإنما أيضاً فرضا على روسيا عقوبات قاسية، بما في ذلك عقوبات ضد مقربين من الرئيس بوتين. وبالمقابل، تتفاوض الهند، التي رفضت التنديد بالعملية العسكرية الروسية، بشكل مباشر في اجتماعات الأمم المتحدة، حول شراء النفط بثمن مخفض مع روسيا، وهو ما يُنظر إليه في الغرب على أنه يتعارض مع الجهود الرامية إلى عزل روسيا.
وضمن تصريحاته للصحافة عقب القمة، امتنع رئيس الوزراء الهندي مودي عن الإدلاء بأي تعليقات مباشرة حول أوكرانيا، مكتفياً بالإشارة إلى أن «الأحداث الجيوسياسية تطرح تحديات جديدة». أما رئيس الوزراء الياباني كيشيدا، الذي كان يقوم بأول رحلة له إلى الخارج هذا العام، فقد وصف العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا بأنها «موضوع خطير للغاية يزعزع أسس النظام الدولي». وكانت الهند قد امتنعت عن التصويت أكثر من ست مرات داخل الأمم المتحدة، بما في ذلك داخل مجلس الأمن، ضد روسيا، وهو ما نالت عليه شكراً من موسكو وانتقادات من الغرب. وعلى سبيل المثال فإن الولايات المتحدة، وإذ لفتت إلى علاقة الهند الفريدة مع روسيا، فإنها حذّرت من أن الهند يمكن أن ينتهي بها المطاف إلى الوقوف على الجانب الخطأ من التاريخ. 
البيان المشترك الذي صدر في أعقاب القمة الهندية اليابانية التي عُقدت بعد أكثر من ثلاث سنوات على آخر قمة مماثلة، جسّد أقوى توافق في المواقف بين الجانبين، إذ دعا إلى نهاية لأعمال العنف، و«عبّر عن قلق حقيقي بشأن النزاع والأزمة الإنسانية الحاليين في أوكرانيا، وقَيّم تداعياتِها الواسعة، وخاصةً بالنسبة لمنطقة المحيط الهادئ». أما رئيس الوزراء سكوت موريسون، فلئن أبدى نوعاً من التفهم لوجهة النظر الهندية، فإنه لم يتوانَ عن انتقاد العمل الروسي، حتى في وقت تحاشى فيه مودي أي إشارة إلى أوكرانيا وروسيا في كلمته الافتتاحية التي نشرت في وسائل الإعلام. ورأى بعض المراقبين في الموقف الأسترالي نوعاً من التفهم للموقف الهندي. 
القمتان أعادتا التأكيد على أن الهند، وعلى الرغم من الضغوط التي تتعرض لها، ستظل متفردة بخصوص الموقف من روسيا داخل «المنتدى الأمني الرباعي»، وستواصل انتهاج سياسة كانت مهمةً بالنسبة لأمنها الوطني ومصالحها الكبرى. وأظهر ذلك مكانةَ الهند وأهميتها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وحتى الآن، من الواضح أن الهند تبنت موقفاً واضحاً بخصوص أوكرانيا ينسجم مع مصالحها الوطنية، وتبعث من خلاله برسالة واضحة مفادها أنها ستحافظ على استقلالها الاستراتيجي. رسالة يبدو أنها شجعت وزير الخارجية الصيني وانج يي على زيارة الهند هذا الأسبوع وسط التطورات الجارية في أوكرانيا. 

رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي