يعكس ارتفاعُ التضخم في الولايات المتحدة عاملين اثنين، فمن جهة هناك الكثير من الاضطرابات من قبيل ارتفاع أسعار النفط والغذاء (والذي تفاقم جراء حرب أوكرانيا) وتشابك سلاسل الإمداد وغيرها. هذه العوامل هي السبب في الارتفاع الكبير للتضخم في كل مكان.

ومن جهة أخرى هناك ارتفاع حرارة الاقتصاد الأميركي نتيجة توسعه بوتيرة غير قابلة للاستمرار، مع نقص واسع في العمالة. ويمكنك رؤية هذه الحرارة المفرطة في كثير من المجالات، ولكنها واضحة أيضاً بالعين المجردة. وحتى الآن، على الأقل، ليس هناك أي إشارة إلى عامل ثالث ممكن، ألا وهو التضخم بسبب توقعات بالتضخم، حيث ترفع الشركات الأسعار لاعتقادها بأن شركات أخرى سترفع الأسعار هي أيضاً من جانبها.

غير أن هذا العامل قد يظهر إذا ظل التضخم مرتفعاً، ولهذا فإن الحذر يقتضي أن نحاول كبح الأسعار الآن. وإذا كانت هذه الاضطرابات ستزول وتتلاشى مع الوقت (وقد بدأت تلوح في الأفق بعض المؤشرات على تحسن في سلاسل الإمداد) فإنه يؤلمني أن أقول إنه لا يمكننا أن نترك الاقتصاد يواصل الإحماء لهذه الدرجة.

والسبب الذي يجعل هذا الأمر مؤلما لي هو أن ثمة الكثير من الأشياء الجيدة جداً بخصوص سوق عمل ضيق يسهل فيه إيجاد الوظائف. فسوق العمل النشط مهمٌ للشباب بشكل خاص: ذلك أن المتخرجين حديثاً الذين لديهم سوء الطالع لدخول سوق ضعيف يمكن أن يعانوا من ضرر طويل الأمد في آفاقهم المهنية.

وللأسف، نحن في حاجة بالفعل إلى بعض التبريد والتهدئة، غير أن الشيء الذي لستُ واثقاً من أن الناس يدركونه هو إلى أي حد عبّدت السياسات والأحداث الطريقَ لـ«التبريد الكبير». ولنبدأ بـ«الاحتياطي الفدرالي» الذي يتعرض لانتقادات واسعة لأنه متأخر ولم يتخذ التدابير اللازمة لمواجهة هذا الوضع.

صحيح أن «الاحتياطي» رفع معدلات الفائدة قصيرة الأجل بنسبة ضئيلة هي 0,25 نقطة، لكن أسعار الفائدة قصيرة الأجل ليست مهمة للاقتصاد بشكل مباشر. وعلى سبيل المثال، فإن شركةً تدرس إمكانية الاقتراض من أجل ترقية برمجياتها التي ستصبح قديمة ومتجاوزَة في غضون عامين لن تكترث كثيراً لسعر الفائدة الذي سيتعين عليها أن تدفعه.

والسياسة النقدية تعمل بشكل رئيسي من خلال تأثير معدلات الفائدة على الاستثمارات طويلة الأمد، وخاصة بناء المساكن، والذي يعني بدوره أن معدلات الفائدة طويلة الأجل هي المهمة. وفضلا عن ذلك فإن المعدلات طويلة الأجل لا تعكس ما قام به «الاحتياطي الفدرالي» فقط، ولكن أيضاً ما يتوقع أن يقوم به.

وتحول «الاحتياطي» إلى مكافحة التضخم دفع المعدلات طويلة الأجل إلى الارتفاع كثيراً، وخاصة معدلات الفائدة على الرهون العقارية. وهذا بحد ذاته سيُبطؤ أعمال البناء ويخفّض حرارةَ الاقتصاد بشكل مهم. ثم هناك السياسة النقدية، فقبل عام وفّرت «خطةُ الإنقاذ الأميركية» للأُسر الأميركية الكثيرَ من المساعدة المالية: مساعدات لتحفيز الاقتصاد، وتعويضات محسَّنة عن البطالة، وائتمان ضريبي موسَّع للأطفال.. ولكن كل ذلك بات الآن من الماضي، والجزء الأخير من ذلك الإنفاق (الائتمان الضريبي للأطفال) انقضى في بداية هذا العام. وسواء شئنا أم أبينا فإن قطع المساعدات الفدرالية هذا من المحتمل أن يُضعف إنفاق المستهلك. وأخيراً، فإن أهم ما فعلته حرب أوكرانيا أنها رفعت أسعار الغذاء، مما أثّر على ميزانيات الأُسر وسيؤدي على الأرجح إلى خفض الإنفاق على أشياء أخرى.

وقد تتساءل ما إن كان ارتفاع أسعار النفط سيشكّل عبئاً على الاقتصاد الأميركي؟ والواقع أن أميركا تكاد تحقق الاكتفاء الذاتي في النفط. كما أنها مصدِّرٌ صافٍ للغذاء. وعليه، فلماذا يفترض أن يجعل ارتفاعُ أسعار النفط والطعام أميركا أفقرَ؟ الجواب هو أنه، في المتوسط، لا يجعلها كذلك، فإذا كان هذا الارتفاع يجعل أميركيين كثيرين أفقر، فإنه يجعل أيضاً بعض الأميركيين أغنى.

لكن الأرجح أن الأشخاص الذين سيجعلهم ارتفاع الأسعار أفقر سيقلّصون إنفاقهم بشكل أكبر مما سيزيده أولئك الذين جعلهم ارتفاع الأسعار أغنى. ولئن أصبحت شركات النفط فجأةً مربحةً أكثر، فإن التجاوزات الكارثية لفقاعة النفط الصخري جعلتها تتردد في زيادة الاستثمار والإنتاج.

وإذا وضعنا كل هذه العناصر معاً، فسنخلص إلى أن السياسات والأحداث أخذت تكبح على نحو خطير التوسعَ السريع الذي شهده الاقتصاد الأميركي منذ الركود الناجم عن الوباء. وعليه، فإنني أقل قلقاً بكثير من معظم المراقبين، ولا أعتقد أن «الاحتياطي» تأخَّر في الرد على الاقتصاد المحموم. بل يمكن القول إنني بدأتُ أشعر بالقلق لأن «الاحتياطي» قد يجد نفسَه متأخراً حينما يبرد الاقتصاد على نحو أسرع مما يبدو أن أعضاءَ إدارته يتوقعونه.

*كاتب وأكاديمي أميركي حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز» Canonical URL: https://www.nytimes.com/2022/03/29/opinion/inflation-prices-interest-rates.html