تدخل الأزمة الأوكرانية الشهر الثاني من «العملية العسكرية الخاصة»، التي أطلقتها روسيا هناك، ويوماً بعد يوم تتضح الأهداف الروسية الحقيقية منها، وليست تلك الأهداف التي تطلقها وسائل الإعلام.

فالأمر كما ذكرنا سابقاً لا يتعدى ثلاثة أهداف روسية معلنة هي نزع سلاح أوكرانيا وضمان حيادها وعدم انضمامها لأي حلف عسكري قد يهدد الأمن القومي الروسي، و«اجتثاث» النازية الجديدة، والاعتراف بشبه جزيرة القرم أرضاً روسية وعدم منع اللغة الروسية في أوكرانيا. تمكنت القوات المسلحة الروسية من تدمير نسبة كبيرة من البنية العسكرية الأوكرانية، بل وإجبار غالبية القوات المسلحة الأوكرانية على التموضع في المدن الكبرى بعيداً عن إقليم «دونباس». أضف إلى ذلك قيام موسكو بإجبار كييف، خلال المفاوضات بين الطرفين، على تقديم مقترح، للمرة الأولى، حول خطة سلام مكتوبة بين الدولتين يقوم على إقرار «حيادية» أوكرانيا، وبأن لا تكون دولة نووية، وبعدم انضمامها لحلف «الناتو» مع إمكانية انضمامها للاتحاد الأوروبي وذلك بضمانات دولية.

أما فيما يتعلق بوضع شبه جزيرة القرم، فقد أعلن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافوروف أن القرم وإقليم «دونباس» قد تم الاتفاق عليهما، وبالرغم من نفي كييف لذلك التصريح، إلا أنه يؤكد نجاح موسكو في إجبار كييف على التفاوض ليس فقط حول مستقبل شبه جزيرة القرم بل وعلى إقليم دونباس أيضاً، إضافة إلى اقتراب روسيا من السيطرة على مدينة «ماريوبول» التي تقع في «دونباس»، وتطل على بحر آزوف مع احتمال التقدم نحو «أوديسا» على البحر الأسود.

أما فيما يتعلق بمطلب روسيا الخاص باجتثاث النازية من أوكرانيا، فإن إصرار كييف في الفترة الأخيرة على طلب عقد لقاء مباشر بين الرئيسين فلاديمير بوتين وفولودمير زيلنسكي لا يهدف سوى إلى إلغاء ذلك الهدف الروسي. ولننظر الآن إلى خريطة أوكرانيا ما بعد انتهاء الأزمة، مفترضين نجاح المفاوضات بين الدولتين ووقف القتال وانسحاب القوات المسلحة الروسية، وسوف نجدها ليست كما كانت قبل الرابع والعشرين من شهر فبراير الماضي ولا قبل شهر مارس من عام 2014، عندما قامت روسيا بضم شبه جزيرة القرم إليها، بل ليست كما كانت عشية انهيار «الاتحاد السوفييتي» في السادس والعشرين من شهر ديسمبر 1991.

ففي حال توقفت العملية العسكرية الروسية الخاصة، فإن أوكرانيا ستكون مُقسمة بين شرق تُسيطر عليه روسيا بواقع 13% تقريباً من المساحة الإجمالية للبلاد، ويضم إقليم دونباس وشبه جزيرة القرم وتُضاف إليه مدينة أوديسا حال السيطرة عليها، وبقية أوكرانيا التي ستكون دولة محايدة شبه منزوعة السلاح من دون سيطرة كاملة على منافذها البحرية على البحر الأسود. وهنا يتبادر التساؤل هل كانت أوكرانيا حقاً «فخ» نصبه الغرب لروسيا أم كانت «هدية» تم تقديمها إلى روسيا؟!

* باحث إماراتي