انعقدت ثلاث لقاءات في فترات متلاحقة، وفي لحظة تاريخية خطيرة، لما يشهده العالَمُ مِن تحولات جيوسياسية لا يقينية، واستغلال الفرص فيها بمثابة شق طريق للوصول إلى منصة الشرق الأوسط الجديد. فقمة شرم الشيخ التي حضرها الرئيس عبد الفتاح السيسي وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بينيت، دشنت منتدى عربياً إسرائيلياً مهَّد لما بعده من لقاءات، وربما يرقى ليكون تحالفاً عربياً إسرائيلياً (ليس حلفاً) يقوم على المصالح ويلبّي طموحات التنمية والاستقرار في المنطقة ويترك وراءَه مخلفات الماضي من حروب ومشاحنات وشعارات.
الوضع الحالي لا يحتمل طويلاً، في ظل المتغيرات في المنطقة، والإشارات الأميركية السلبية التي لا تراعي مصالح دول الخليج، وتعطي الأولوية لإيران وربما تمهد لإطلاق يدها وتمكينها من عائدات النفط للإنفاق على مليشياتها ووكلائها، مما يهدد أمن المنطقة. وفي الوقت ذاته تتوالى المؤشرات على قرب توقيع الاتفاق النووي في فيينا، إذ لم يبقَ من العقبات دون توقيعه سوى مسألة شطب الحرس الثوري الإيراني من قوائم الإرهاب الأميركية، لذا تصفه إسرائيل -عن حق- بأنه «أسوأ بكثير» من اتفاق عام 2015.
وضمت «اجتماعات العقبة» كلاً من الملك عبدالله الثاني والرئيس عبد الفتاح السيسي والشيخ محمد بن زايد آل نهيان ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، في ما يمكن نعته بمنتدى عربي رباعي لتنسيق المواقف بين دوله العربية المهمة الأربع في ظرف حساس للغاية.
ثم جمع لقاءُ النقب وزراءَ خارجية أربع دول، هي الإمارات ومصر والمغرب والبحرين، مع وزيري خارجية كل من إسرائيل والولايات المتحدة (ضيف شرف). ووُصف هذا اللقاء بأنه تاريخي وبأنه هندسة جديدة للشرق الأوسط. وقال لبيد، وزير خارجية إسرائيل: نكتب التاريخَ هنا ونؤسس لبنية جديدة قائمة على التقدم والتكنولوجيا والتسامح الديني والتعاون الأمني المخابراتي لردع الأعداء المشتركين. وسوف يتوسع هذا المنتدى ليشكل تحالفاً وشراكةً أمنيةً غير مسبوقة وعلاقات عسكرية واقتصادية واستراتيجية مشتركة. وفي هذا الباب قال وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن إن «المكاسب التي حققتها اتفاقيات (أبراهام) ليست بديلة عن تحقيق تقدم بين الفلسطينيين وإسرائيل»، كما طمأن الشركاء الإقليميين بشأن الملف النووي الإيراني وضمان عدم امتلاك إيران السلاح النووي مطلقاً. مما يؤكد أن اهتمام أميركا بصعود الصين لا يعني أنها ستترك الشرق الأوسط وأوروبا وشرق آسيا وهي تطمح لقيادة أعلى هرم السلطة الدولية.
ولم يخرج رد الفعل الإيراني حول لقاء النقب عن الصيغة الشعاراتية المكررة، وهي صيغة جوفاء لفَظَها الشارع العربي ولم تعد لها قيمة في ضوء السلوك السياسي الإيراني المعادي، والذي تترجمه الصواريخُ والطائراتُ المسيرةُ التي يطلقها وكيلها الحوثي لقصف الأهداف المدنية والمنشآت البترولية في السعودية والإمارات.
إن العلاقات الدبلوماسية العربية مع إسرائيل هي من صنع إيران نفسها، وذلك عندما حوَّلت منطقةَ الخليج إلى بيئة غير آمنة. ومنذ ثورة الخميني عام 1979 ودول الخليج العربي تداري النهجَ التدخلي من جانب إيران لعلها تغير سلوكها وتحجم عن تغولها على شؤون جيرانها..  ولو كانت إيران دولة مسالمة مع جيرانها، لكان الحال مختلفاً وآمناً في منطقة الخليج، ولكان الشعب الإيراني نفسه ينعم بالرفاهية والنماء والرخاء.

سفير سابق