كل حرب تنطوي على مفاجآت، ولكن اللافت بشأن الحرب الروسية- الأوكرانية، هو عدد المفاجآت السيئة، حتى الآن، وعدد المفاجآت السارة التي حدثت لأوكرانيا وحلفائها عبر العالم. 
كيف ذلك؟ حسناً، أنا واثق من أنه حينما كانت روسيا تخطط لهذه العملية العسكرية، كان يفترض أنه بعد ثلاثة أسابيع على إطلاقها، سيتم إلقاء خطاب نصر في البرلمان الأوكراني، يتضمن عودة أوكرانيا إلى حضن روسيا الأم. وربما كان يفترض أيضاً أن الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي سيكون في المنفى في بيت بولندي تابع لخدمة «إير بي آن بي»، وأن الجنود الروس ما زالوا يزيلون من دباباتهم كل الزهور التي استقبلهم بها الأوكرانيون المرحِّبون.
زيلينسكي ألقى كلمة على الكونجرس الأميركي عبر الإنترنت. وبدلاً من انتهاء العولمة، يستخدم الأفراد عبر أنحاء العالم الشبكات العالمية لمراقبة الحرب والتأثير عليها بطرق غير متوقعة تماماً. فببضع نقرات، يقومون بتحويل المال لدعم الأوكرانيين، وببضع نقرات إضافية، يقولون للجميع، من «ماكدونالدز» إلى «غولدمان ساكس»، بأن عليهم الانسحاب من روسيا إلى أن ينسحب الجنود الروس من أوكرانيا. 
وإليكم مفاجأة أخرى لم يتوقعها أحد – ولا سيما الصين وروسيا. فالصين كان تعتمد على لقاحاتها الخاصة لمحاربة كوفيد 19، إلى جانب سياسة صفر تسامح والحجر الصحي الفوري لمنع انتشار فيروس كورونا. ولكن للأسف ينتشر الفيروس في الآونة الأخيرة مثل النار في الهشيم هناك. وكما أفادت «نيويورك تايمز»، فإن «عشرات الملايين من السكان في الأقاليم والمدن الصينية مثل بكين وشنغهاي وشينجين يتعرضون للإغلاق وسط تفشي متحور أوميكرون. ونتيجة لذلك، عُلِّق السفر بين المدن، وتوقفت خطوط الإنتاج، وأغلقت المراكز التجارية». 
ما علاقة ذلك بالموضوع؟ إنه يقضي على الطلب على النفط ويؤدي إلى انخفاض سعره – فبعد أن كان الأخير يدنو من 130 دولاراً للبرميل بسبب الحرب في أوكرانيا، انخفض تحت مستوى 100 دولار للبرميل. ولكن ما هو البلد الذي في أمس الحاجة لأسعار نفط مرتفعة لأنه ليس لديه شيء آخر ليبيعه للعالم من أجل تمويل حربه؟ إنها روسيا. وعليه، فإن استراتيجية الصين لمواجهة كوفيد هي التي تعيق حالياً استراتيجية بوتين الخاصة بأسعار النفط. وعليه، فإن العالم ما زال أكثر ترابطاً مما قد نعتقد. 
إنني أندهش دائماً من الشجاعة التي يبديها الناس العاديون – في هذه الحالة، ليس الأوكرانيين فحسب، وهكذا، أجدني منبهراً بالشجاعة الكبيرة التي أظهرتها مارينا أوفسيانيكوفا، الموظفة بـ«تشانل 1» الروسية، وهي قناة تلفزيونية تابعة للدولة، والتي ظهرت أثناء بث مباشر لأكثر برنامج إخباري مشاهدة في روسيا وهي تصيح «أوقفوا الحرب!». أوفسيانيكوفا خضعت للتحقيق وأُطلق سراحها.
وأخيراً، تكشف الحروب أيضاً عن أعمال خير استثنائية. في هذه الحرب، جاءت بعض تلك الأعمال بشكل عفوي، ومن خلال استغلال منصة إلكترونية بطرق لم يتوقعها أي أحد – موقع تقاسم الغرف «إير بي آن بي». ويقول مديرون في «إير بي آن بي» إنهم استيقظوا في أوائل مارس ليكتشفوا أن أعضاء من مجتمعهم كانوا يستخدمون بشكل عفوي منصتهم بطريقة جديدة: تحويل تكنولوجيا الحجز في المنصة إلى نظام مساعدات خارجية. 
ووفق الشركة، فإن أشخاصاً من 165 بلداً حجزوا خلال الأسبوعين الأخيرين تقريباً أكثر من 430 ألف ليلة في بيوت أوكرانية على «إير بي آن بي» من دون نية استخدام الغرف، ولكن فقط من أجل التبرع بالمال لهؤلاء المضيفين الأوكرانيين، الذي لم يسبق لهم أبداً أن سمعوا بمعظمهم. «إير بي آن بي» علّقت مؤقتاً كل رسوم الضيف والمضيف الخاصة بالحجوزات في أوكرانيا، لتترجم تلك الحجوزات إلى 17 مليون دولار ذهبت مباشرة إلى المضيفين. ويُعد الضيوف من الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا أكبر الحاجزين، بينما تقع النمسا وألمانيا وعدد من البلدان الأوروبية الأخرى ضمن المراتب العشرة الأولى. 
العديد من المضيفين الأوكرانيين الذين توصلوا بتبرعات الحجز تلك كتبوا رسائل للمتبرعين، ما نسج صداقات جديدة ومكّن الأجانب من فهم تأثير هذه الحرب بشكل أعمق. والأكيد أنه ليس هناك ما هو أفضل من التواصل بشكل شخصي مع شخص في أوكرانيا يختبئ في قبو بيته، بينما تشرح له الأسباب التي تجعلك سعيداً باستئجار ذاك القبو، علما بأنك لن تستخدمه أبداً. إنه يخلق مجتمعاً من الخير واللطف، مجتمع لا يستطيع لوحده هزم الدبابات، ولكنه يستطيع المساعدة عبر تذكيرهم بأنهم ليسوا وحيدين. 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»