«لقد حقّقنا انتصاراً كبيراً للغاية، بحيث يمكن رؤيته من القمر، ومن دون شك، من بروكسل أيضاً»، هكذا أعلن رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان انتصاره في الانتخابات الهنجارية قبل أيام، ليستأنف حكمه لواحدة من أكبر بلدان أوروبا ليضيف أربع سنوات جديدة على اثنتي عشرة سنة من الحكم المتواصل.
فعلاً، كان انتصار أوربان كبيراً، ورؤيته من القمر عبارة مجازية وبلاغية تعكس فرحته بالانتصار، لكن رؤيته من «بروكسل» فتلك عبارة يعنيها الرجل بكل دلالاتها السياسية، وتعكس نيته بالمواجهة التي لم تنتهِ مع منظومة الاتحاد الأوروبي التي يسيطر عليها دول الغرب القوية، والتي دخل فكتور أوربان معها في مواجهات حادة خلال سنوات ماضية.
شاءت الأقدار أن أكون مقيماً في بلجيكا، حيث بروكسل عاصمة الاتحاد الأوروبي أيضاً، وكذلك شبه مقيم «بحكم المصاهرة» في هنغاريا حيث تتركز نواة اليمين المناهض لمعظم سياسات الاتحاد الأوروبي، ليس يميناً ضد مفهوم الوحدة كما يريد بعض الإعلام «اليساري والليبرالي» أن يروّج، بل هي معارضة لسياسات «النيوليبرالية» ومقاومة لانتشار حركة «الصوابية السياسية والاجتماعية» التي بدأت تمارس هي نفسها الإقصاء لكل من لا يتفق معها.
أوروبا موحدة كمنظومة سياسية، هذا صحيح، لكنها ليست وحدة متماسكة صماء كمفاهيم اجتماعية ورؤية سياسية واقتصادية، هناك لا يزال يمين (وليس بالضرورة أن يكون شريراً) وهنالك «يسار هجين ليبرالي» (وليس بالضرورة أن تكون مفاهيمه هي الحقيقة المطلقة).
نعم، يمارس فكتور أوربان السياسة لتثبيت سلطته وسلطة حزبه بكل ما تحمله من مفاهيم تتناقض مع «القيم الأوروبية»! لكن: من الذي حدّد وضبط القيم الأوروبية على بوصلة الليبرالية الاجتماعية والسياسية وقرر أنها يجب أن تحكم لا أوروبا وحسب، بل العالم كله؟
في الجهة الغربية من أوروبا، هنالك معضلة أخرى، فرنسا. حيث ماري لوبان تقاتل بضراوة «وامتياز» سياسياً للفوز بمكانها في الإليزيه.
الأرقام ليست مبشرة للرئيس «ماكرون»، ولا تكتل تياره «المصرفي الليبرالي» المدافع عن طبقة عجيبة من رجال الأعمال والليبراليين الاقتصاديين.
سيكون لرئاسة لوبان لفرنسا تأثير كبير على الشؤون العالمية، فهي حليف قوي للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بحسب تعبير الإندبندنت، لكن الإعلام «المناهض لليمينية» يصر أن هذا اليمين «عنصري». ولم يحقق أحد بتلك المقولة المبنية على تصريحات متتابعة كانت لوبان «ومن قبلها والدها الذي أزاحته ببراغماتية قاسية» تطلقها دوماً ضد من لا يريدون «الاندماج»، فتم تصوير كل ذلك على أنه ضد «المسلمين» أحياناً، وضد المهاجرين الغرباء أحياناً أخرى.
أنا من المهاجرين إلى أوروبا، وأعاني مثل غيري لكن ليس من سياسات عنصرية ضدي كمهاجر، بل من تداعيات التطرف الديني الذي يحمله بعض المهاجرين العرب والمسلمين مستغلين «القيم الأوروبية الهشة» كثغرة دخول طروادية لفرض دولة الخلافة مثلاً، أو التحايل على القوانين «السهلة» لجني مكاسب مالية خارج القانون.
في بلجيكا، يمكنك أن تحصل على جنسيتها وتنافس «ابن البلد» على مصير بلاده بالمواطنة الكاملة بكل سهولة ويمكن أن تتحايل على شروط اللغة، لكن في هنغاريا بالمقابل، أنت أمامك فرصة لتكون هنغارياً مقابل أن تتعلم تاريخ البلد وتخضع لامتحانات قاسية فيه تضعك في منافسة عادلة مع الهنغاري المولود هناك، فتكون مؤهلاً لتكون مثله، مضمون الولاء.
* كاتب أردني مقيم في بلجيكا.