انتهت المرحلة الأولى من العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا بحصيلة لا تبدو حتى الآن إيجابية بالنسبة لموسكو. ذلك أن الأوكرانيين رفضوا قبول جهود روسيا لاحتضانهم كمحرِّر. كما أنهم لا يرحبون بأن يصبحوا جزءاً من روسيا مجدداً. وعوضاً عن ذلك، خاضوا معركة جد متطورة بإمدادات كبيرة من الأسلحة الغربية، وأرغموا موسكو على التخلي عن أملها في احتلال كييف خلال الأيام الأولى من الحرب، وخلع الرئيس فولوديمير زيلينسكي وحكومته، وإعلان نصر سريع وكبير. 
انسحاب القوات الروسية من منطقة كييف الكبرى ترك مشكلتين لموسكو؛ الأولى هي أن اكتشاف آثار الدمار والقتل تسبب في مشاعر غضب كبيرة في البلدان الغربية، وأدت إلى مطالبات أقوى بتزويد أوكرانيا بأسلحة أكثر وأقوى. ولا شك في أنه إذا اكتُشف المزيد من جثث المدنيين الأوكرانيين القتلى في مدن وبلدات أخرى احتلتها القوات الروسية التي تغادر، فإنه سيكون من الصعب أكثر على روسيا وأنصارها الادعاء بأن التقارير والصور ومقاطع الفيديو التي توثق وفيات جديدة هي «أخبار زائفة». 
وبالتالي، فإن التحدي الثاني بالنسبة لروسيا هو اجتراح استراتيجية مقنعة يمكن من خلالها ادعاء تحقيق انتصار، على الرغم من الفشل في السيطرة على كييف. وحتى ينجح هذا الأمر، سيتعين على روسيا أن تبسط سيطرةً كاملةً على المدن الرئيسية في شرق أوكرانيا وجنوبها والتي تتعرض حالياً لهجوم بري وقصف مدفعي مكثف. والواقع أن روسيا قد تكون قادرةً على مَدِّ سيطرتها إلى هذه المناطق، غير أن تكاليف القيام بذلك ستكون مرتفعةً ومقاومةَ الأوكرانيين المتبقين شرسةً. وبينما تصبح مزيد من مقاطع الفيديو لدمار هذه المدن جزءاً من التوثيق العام لأساليب القوات الروسية في خوض معارك المدن، سيتنامى الغضب ويزداد. وقد تكون الحكومة الروسية قادرة على إقناع مواطنيها الروس بأنها حققت نصراً عظيماً، لكنه سيكون قصير الأمد، نظراً لأنه من غير المحتمل أن تقبل بقيةُ أوكرانيا أي تنازلات إقليمية كبيرة بالنظر إلى الأعمال المرتُكبة حتى الآن. 
قبل بضعة أسابيع، كان زيلينسكي والكثيرون في الغرب يظنون أنه من الممكن إيجاد مخرج للأزمة وإنهاء العنف، بل إن زيلينسكي نفسه ذهب إلى حد الحديث عن إمكانية إجراء محادثات مباشرة مع الرئيس فلادمير بوتين. لكن الآن هناك تشاؤم أكثر بشأن إمكانية التوصل إلى اتفاق بين الجانبين، بعد أن تقلص مستوى الثقة والمصداقية. 
أما المشكلة الثانية، فهي أن هناك إحباطاً متزايداً بين البلدان الغربية المؤثرة، وخاصةً ألمانيا التي باتت تعتقد أن أي اتفاق مع موسكو بات ضرباً من التفكير الرغائبي فحسب. وفضلا عن ذلك، وبسبب فشل روسيا في السيطرة على المجال الجوي الأوكراني، ستواصل كميات كبيرة من الأسلحة الغربية الوصول إلى القوات الأوكرانية، مع مجموعة جديدة من الأسلحة التي قد تشمل دبابات ومدفعية سوفييتية ما زالت في الخدمة في عدد من بلدان حلف وارسو السابق. كما يمكن أن تشمل هذه الأسلحة صواريخ مضادة للطائرات طويلة المدى ومن النوع الأكثر تطوراً، وهو ما سيجعل من الصعب أكثر على روسيا أن تستخدم قوتَها الجوية من أجل عرقلة أرتال الإمدادات التي تعبر بولندا في اتجاه أوكرانيا وتدميرها. 
ولعل الأكثر إثارةً للقلق بالنسبة لروسيا هو أن جيشها الذي طالما النظر إليه في السنوات الأخيرة باعتباره قوة لا تُقهر، ولئن كان مجهزاً تجهيزاً جيداً بالفعل، لم يبدِ مبادرات حقيقية على ساحة القتال. ويعتبر عدد من المحللين العسكريين الغربيين عجزه عن تنسيق عملياته البرية والبحرية والجوية عيباً قاتلاً في أسلوب القتال الروسي. وكل هذه مشاكل جدية لها علاقة بالمنظومة نفسها. وما الافتقار إلى فيلق ضباط صف منضبط وقوي إلا مؤشراً واحداً على المشكلة. 
وعليه، فإن القتال سيستمر، والوفيات ستتزايد، والتكاليف بالنسبة لروسيا قد تُحدِث تغييراً محسوساً.. لذا سيكون الواقع أكثر كآبة. 

مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشيونل إنترست» -واشنطن