على متن الطائرة التي أقلته من العاصمة الإيطالية روما متوجهاً إلى جزيرة مالطا، قال البابا فرنسيس إن احتمالية سفره إلى العاصمة الأوكرانية كييف «مطروحة على الطاولة»، من دون أن يعطي تفاصيل إضافية.
هل يعني هذا التصريح أننا سنرى الرجل ذا الثوب الأبيض، والذي بات يمشي متثاقلاً من جراء التهاب عرق النسا، في كييف أو موسكو، ساعياً لحل الأزمة الروسية – الأوكرانية، والتي أضحت تهدد سلام وأمن العالم؟
في مارس المنصرم، دعا الرئيس الأوكراني زيلنسكي البابا فرنسيس إلى أداء دور الوسيط في المفاوضات بين كييف وموسكو، وإلى زيارة أوكرانيا، كما دعاه رئيس بلدية كييف فيتالي كليتشكو إلى زيارة أوكرانيا بهدف «إظهار تعاطفه» مع الشعب الأوكراني.
لم يكن فرنسيس بعيدا عن الصراع الضاري الدائر على الأراضي الأوكرانية منذ البدايات الأولى، ولم يترك فرصة إلا وعبّر عن ألمه بسبب المآسي الحادثة هناك، وقربه من ضحايا الحرب.
ولعله من المثير أن بابا روما قدم ضمن تصريحاته المتعددة مفهوماً مثيراً ومغايراً لما كانت تؤمن به المؤسسة الرومانية الكاثوليكية في الأزمنة القروسطية، فقد أشار إلى أنه كان هناك حديث في الكنائس عن الحرب المقدسة، والحرب العادلة، أما اليوم فيرى الحبر الأعظم، أنه:«لا يمكننا أن نتحدث على هذا النحو، لأنه قد تم تطوير الوعي المسيحي بأهمية السلام».
أعلن فرنسيس ومن كرسيه، حيث قوة الحضور الروحي الأممي، وحتى من دون امتلاك فرق عسكرية، أن الحروب ظالمة على الدوام، لأن الثمن تدفعه الشعوب.
لم يتوان فرنسيس عن تفعيل قدراته وعلاقاته، ومن هنا جاء اتصاله عبر دائرة الفيديو مع البطريرك الروسي كيريل، والذي حثه فيه على سرعة العمل بهدف وقف الحرب والاتحاد في تقديم جهود السلام ومساعدة الذين يتألمون.
يدرك فرنسيس أنه إذا كان الفيلسوف الروسي الكسندر دوغين يمثل عقل بوتين، فإن البطريرك كيريل هو روح بوتين، وصاحب التأثير الكبير والخلاق عليه، ويكاد يكون المرشد الروحي للرئيس بوتين.
في العام 2017 اعتبر كيريل أن بوتين هو «معجزة الله»، وليس سراً أنه يقاسمه النظرة نفسها إلى عظمة روسيا، كما أنه لم يتردد في دعمه في كل الحروب التي شنها، لا بل ثمة من يعتقد وربما عن حق أنه أصدر نوعاً من الفتوى لتغطية غزو أوكرانيا.
في اتصاله الهاتفي عمل فرنسيس على أن يدفع كيريل في طريق بذل المزيد من جهود السلام، ومؤكداً أن الكنيسة يجب ألا تستخدم لغة السلام، بل لغة الحب والحوار الأخوي.
وبكلمات أكثر صراحة شدد فرنسيس على أنه وكيريل رعاة للشعب روحياً، وعليهم أن يتحدوا في الجهود لمساعدة السلام.
كلف البابا فرنسيس ممثل الفاتيكان الدائم لدى الأمم المتحدة المونسنيور «كاتشيا»، للتواصل مع السفراء في الهيئة الأممية بهدف وقف إطلاق النار بصورة فورية، والعودة إلى الدبلوماسية والحوار، عطفاً على مداواة جروح مئات الآلاف من اللاجئين وحمايتهم ومساعدتهم.
يتذكر العالم قبل سنوات قليلة كيف جثا فرنسيس مقبّلاً أقدام قادة جنوب السودان بهدف دفعهم للحفاظ على السلام، فهل سنراه يحل عما قريب في أوكرانيا حاملاً وساطة السلام على أرض الحرب؟