ظلت إسرائيل بمنأى عن هجوم ممارسات تنظيم «داعش» لسنوات طويلة روع فيها التنظيم دولاً عديدة في الإقليم، وما بين إعلان قيام «دولة الخلافة» أو«داعش» في العراق وسوريا، ومروراً بالممارسات التي استمر القيام بها في البلدين، وبالقرب من الأردن، وصولاً إلى الضفة الغربية ظل السؤال محل التباين المستمر، وما زال والذي بات يطرح في صورة مقاربات عدة حول عدم استهدافه إسرائيل.
اليوم تتغير الوقائع على الأرض، واستهدف التنظيم إسرائيل عبر عناصره، حيث ارتفعت وتيرة استهداف إسرائيليين في الضفة الغربية، ففي 22 مارس الماضي قتل أربعة إسرائيليين، في مدينة بئر السبع بالنقب. وفي 27 مارس الماضي، تم تنفيذ عملية إطلاق نار في الخضيرة جنوب حيفا، وأدت إلى مقتل إسرائيليين اثنين، ويلاحظ أن المنفذين لعمليتي بئر سبع والخضيرة ينتميان إلى تنظيم «داعش»، وهو ما اعتبر أول مرة منذ عام 2017 يتبنى التنظيم هجوماً مباشراً في إسرائيل، حيث وظفته الحكومة الإسرائيلية مؤخراً، وفي خطابها الإعلامي والسياسي الخارجي بأن تنظيم «داعش» بات يهدد فعلياً أمنها القومي، وهو ما سيدفعها للرد على وجود التنظيم في أي مسرح عمليات مجاور.
إن خطر «داعش»- وفقاً للمنظور الإسرائيلي - يمثل تحدياً استراتيجياً لكافة دول العالم خاصة منطقة الشرق الأوسط وإسرائيل، ويعتمد هذا التقييم على الرؤية للسلفية الجهادية وفقاً لمقاربات أمنية وسياسية إسرائيلية.
إدراك إسرائيل لخطورة هذه التطورات الجارية بشأن تمدد دور «داعش» مجدداً يدفع إلى تبني استراتيجية جديدة تستهدف من خلالها استعادة زمام إدارة الصراع الإقليمي الراهن للمواجهة، واحتكار المظلومية التاريخية، والحيلولة دون حدوث تطورات ذات صفة مفصلية في موازين القوى العسكرية والسياسية، حيث تخلص الرؤية إلى أن إسرائيل تقع في بؤرة الاستهداف من «داعش» خاصة في قطاع غزة، والتركيز على وجود عناصر وحلفاء لـ«داعش» في الضفة الغربية بدليل وقوع العمليات الأخيرة واستهدفت إسرائيليين، فضلاً عن الربط – وفق المنظور الإسرائيلي - بين الإرهاب الفلسطيني والإرهاب الإسلامي والتعامل مع الإرهاب الفلسطيني على أنه مجرد فصيل إرهابي إسلامي.
 التنظيم رغم كل جرائمه التي يرتكبها، فإنه لم يقم بمهاجمة إسرائيل تاريخياً، واستهداف مواطنيها إلا مؤخراً، بينما يرى البعض الآخر أن حالة التخوف التي يُظهرها التنظيم مصدرها قوة الجيش الإسرائيلي، وتمكنه من مواجهة عناصر التنظيم بإجراءات استباقية، وفي كل الأحوال فإن إسرائيل تعتبر محاصرة من تنظيم «داعش» على جانبين أحدهما من الحدود السورية، فالتنظيم لا تزال عناصره موجودة في سوريا، ومن الناحية الثانية من مسارح أخرى، حيث يتواجد بعض أفراد التنظيم في مناطق التماس المجاورة.
في المقابل سيظل تنظيم «داعش» يعلن - من خلال أدبياته استهداف إسرائيل، بالإضافة إلى عدائه للنظام الدولي، وأن أهدافه الأساسية تحرير المقدسات، ولكن كل تلك الدعاية تتنافى مع الواقع الراهن.
وإزاء ما يجري من تطورات، فإن إسرائيل ستظل تتخوف من أن يضعها الوضع الراهن والمحتمل مع سوريا أمام الاختيار بين «داعش» أو «حزب الله»، حيث ترى أجهزة المعلومات الإسرائيلية خاصة جهاز «شاباك» أن خطر «داعش» أيسر من خطر وجود «حزب الله»، فهي تنظر للحزب كامتداد للشبكة الدولية لتنظيم «القاعدة»، وكمنظمة إيرانية بالوكالة، إلا أن تقييم إسرائيل لخوض حرب مباشرة ضد إيران، أو «حزب الله» سيبقي أمراً ليس مطروحاً في الوقت الراهن.

*أكاديمي متخصص في العلوم السياسية والشؤون الاستراتيجية.