انتشرت على نطاق واسع فيديوهات لإقامة صلاة التراويح في ميدان شهير بنيويورك، الخبر تناقله الناس باعتباره ضمن جولات الانتصار للمسلمين على الغرب. والواقع أن إدارة الخبر كانت مخاتلة، وما تداول الأصوليون الحادثة بوصفها إقامة صلاةٍ في مكان عام، بل ضخوا بالحدث لإثبات خضوع الغرب للمسلمين.
والواقع أن قصة الإسلام السياسي بالغرب مغرية للتحليل وذلك لسبب أساسي، خلاصته الالتقاء والتخادم بين الأصولية والنظرية الديمقراطية، لم يقدس الأصوليون مفهوم الديمقراطية إلا لعلمهم التام أنها الوسيلة الأكثر نجاحاً لتحقيق أهدافهم وإدارة مشروعاتهم، فهم متمكنون وعلى مستوى عال من النفوذ في أميركا وكندا وأوروبا منذ هجراتهم الأولى.
لنقرأ مطالعة وليد فارس عن «الإخوان» في أميركا ونفوذهم والتي عنونها بـ:«الإخوان» المهاجرون في أميركا... هكذا صعدوا فهل آن زمن السقوط؟»، أقتبس من قوله:(نتيجة للحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي والشيوعيين، لاقى «الإخوان المهاجرون» نوعاً من الترحيب في واشنطن لأنهم كانوا من أشد المعارضين للسوفييت، وانخرطت كوادرهم في قتالهم بأفغانستان، كما كانوا على عداوة مع أنظمة متحالفة مع موسكو، كنظام الأسد الأب. هذه الأمور ساعدت «الإخوان» على الانتشار في أميركا وارتياد جامعاتها واختراق الجاليات العربية والإسلامية، أي باختصار إن تواجدهم يعود بالفعل إلى عقود مضت، مع انخراط قياداتهم على جمع التبرعات وإرسالها إلى المجاهدين ضد السوفييت، اكتسبت جماعة الإخوان المسلمين مشروعية أكبر للتأثير في بعض جوانب السياسة الأميركية الخارجية، ومع انهيار الاتحاد السوفييتي، برزت جلياً قدرة هذه الجماعة في المساحة الإعلامية والأكاديمية الأميركية، وهنا عمد «الإخوان» إلى تنظيم نفوذهم عبر إبراز تنظيمات للواجهة يحركونها من وراء الستار لتحقيق أهدافهم).
الأصوليون ومنهم «الإخوان» يجدون في كندا وأميركا وأوروبا النوافذ القانونية التي تشرّع لهم ممارسة الكثير من الأنشطة الإرهابية، في فرنسا تبدو صورتهم أوضح حيث يمارسون التسويق لأنفسهم من دون أي استهدافٍ أو تضييق، وذلك بفضل الديمقراطية «المقدسة».
رفائيل ليوجييه في كتابه الجديد:«عولمة... لاحرب حضارات» خصّ فصلاً عنهم بعنوان:«التنظيمات الإسلامية تم تجاوزها من قبل السوق الديني»، إذ يعتبر:«الحدود هي أيضاً مسامية في المجتمعات الصناعية المتقدمة. واتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا (UOIF) هي الجمعية الإسلامية الأوروبية الأولى من حيث عدد أعضائها وقدرتها على التعبئة. في كل وسنة يجري، في الغالب في أبريل، مؤتمرها السنوي. هذه التظاهرة أصبحت خلال عشر سنوات تقريباً حفلة إحسانية هائلة. زعماء إسلاميون، مفكرون مثل طارق رمضان، وعاظ قدموا من العالم كله، يخطبون أمام حشد من عدة آلاف من الأشخاص، حيث يتم نقل خطاباتهم على شاشات عملاقة وعلى موقع الإنترنت للمنظمة. يصبح المكان أيضاً، في زمن المؤتمر، متجراً كبيراً وصالوناً لتقديم المنتجات الإسلامية المشتقة، التي تشمل كتب التقوى والكازينو الحلال، إضافة إلى آخر موضات الملابس الإسلامية. أخيراً، إنه مكان عبور، مكان للحفلات حيث تجري الحفلات الموسيقية. إنه مكان للقاءات، للمخالطة الاجتماعية لأكثر من مائة وخمسين ألف مسلم، حيث كان عليهم استئجار مجموع أبنية لو بورجي بالقرب من باريس».
مثل هذه الكرنفالات التي يصدّرها الأصوليون للعالم، إنما تخاطب غرائز البسطاء والباحثين عن انتصارات واهمة، فإقامة الصلوات، أو إلقاء الخطب والكلمات يجب أن تكون في المساجد، فهي أطهر وأجدى للإفادة والخشوع، أما تحويل شعائر الإسلام إلى صيغ مزايدات بين أتباع الأديان، إنما يسيء لصورة الإسلام وسماحته، وهي الصورة التي تحتاج إلى تصويب على شتى المستويات.
الفكرة الأساسية أن التباهي بالانتصار على الغرب مجرد حيلة أصولية لتسويق المشروع المتطرف عبر استعمال الشعائر والمقدسات والمواسم الفضيلة.
كاتب سعودي