جاء تقرير التضخم لشهر مارس ساخناً، كما هو متوقع، إذ ارتفعت أسعار المستهلك بنسبة 8.5% خلال العام الماضي. لكن بعد مرور أكثر من عامين على انتشار الجائحة، ما زلنا نعيش في زمن «كوفيد-19»، حيث يمكن أن تتغير الأمور بسرعة كبيرة لدرجة أن البيانات الرسمية، حتى عن الماضي القريب، يمكن أن تعطي صورةً مضللةً لما يحدث الآن. وفي هذه الحالة، من المحتمل أن يكون مؤشر أسعار المستهلك، الذي يقيس متوسط الأسعار خلال الشهر تقريباً، قد شهد منعطفاً هبوطياً بدأ في أواخر مارس وما يزال متواصلاً.

ومن المحتمل أن ينخفض معدل التضخم بشكل كبير خلال الأشهر القليلة القادمة. لكن لا تتحمس كثيراً، فالأرقام الأفضل التي نحن على وشك رؤيتها لا تعني أن مشكلة التضخم قد انتهت. لماذا نتوقع انخفاض التضخم؟ شكَّلت أسعار البنزين المرتفعة نصفَ ارتفاع الأسعار في مارس، لكن يبدو الآن أن سوق النفط العالمية تجاوزت رداً على العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.

ولعله لا يزال الكثير من النفط الروسي يصل إلى الأسواق العالمية، وكذلك فإن قيام الرئيس جو بايدن بالإفراج عن مليون برميل يومياً من الاحتياطي البترولي الاستراتيجي يعوض الكثير من النقص. اعتباراً من صباح الثلاثاء الماضي، كانت أسعار النفط الخام أعلى بقليل من مستواها قبل حرب أوكرانيا، وقد انخفض سعر الجملة للبنزين بنحو 60 سنتاً للجالون من ذروته الشهر الماضي. وأكثر من ذلك، فثمة مؤشرات متزايدة على أن «تأثير السوط» على وشك العودة. وهو ظاهرة تحركها التوقعات، وتشير إلى وجود اتجاه لتقلبات أكبر وأكبر في المخزون نتيجة الاستجابة للتغيرات في الطلب.

إن «تأثير السوط» مشكلة مألوفة بالنسبة للمنتجات التي تقع في نهاية سلاسل التوريد الطويلة: يمكن أن تؤدي التغييرات في نهاية المستهلك إلى تغييرات مبالغ فيها إلى حد بعيد في السلسلة. لنأخذ مثالاً غير عشوائي، وهو أن التحول إلى العمل من المنزل، ثم الذعر من فيروس كورونا، يؤدي إلى زيادة مشتريات مناديل الحمام في السوبر ماركت (وهو منتج مختلف إلى حد ما عن الأشياء المستخدمة في المكاتب). المستهلكون الذين يعانون من نقص يندفعون للتخزين، وتزداد الطلبات من جانب محلات السوبر ماركت سعياً لتلبية الطلب، والموزعون الذين يزودون المتاجر الكبرى يطلبون أكثر، وفجأة ينفد المخزون. ربما لعب «تأثير السوط» دوراً مهماً في الاختناقات التي أفسدت الاقتصاد منذ خروجنا من الركود الذي حدث جراء الجائحة.

قام المستهلكون، لأنهم غير قادرين أو غير راغبين في استهلاك الخدمات وجهاً لوجه، بشراء الكثير من السلع المصنَّعة، وفي بعض الحالات قاموا بالشراء المفرط خوفاً مِن عدم توفر السلع. وبدورهم، سارع تجار الجملة وشركات الشحن إلى الشراء ليكونوا قادرين على تلبية طلب المستهلكين، وفجأة لم يعد هناك ما يكفي من حاويات الشحن أو سعة الميناء، مما أدى إلى ارتفاع التكاليف. لكن هناك الآن ضجة متزايدة حول «تأثير السوط» على التراجع. فقد نشر الرئيس التنفيذي لشركة «فريت ويفز» (FreightWaves)، وهي شركة متخصصة في تحليل سلاسل التوريد، في الآونة الأخيرة مقالاً بعنوان: «هل يقوم تأثير السوط بمهمة بنك الاحتياطي الفيدرالي فيما يتعلق بالتضخم؟»، أشار فيه إلى أن تجار التجزئة على ما يبدو لديهم ذروة شراء، وهم يجلسون على مخزون كبير بشكل غير عادي. فساحات السيارات ممتلئة، والطلب على النقل بالشاحنات ينخفض بسرعة. يبدو أن أسعار الشحن الدولية آخذة في الانخفاض.

وبعبارة أخرى، قد تكون مشكلات سلاسل التوريد على وشك التلاشي، مما ينتج عنه تخمة في النقل بالشاحنات وربما سعة الشحن. وهذا سيزيل أحد أسباب التضخم المرتفع. حسناً، هناك بعض العوامل المباشرة الأخرى التي تدفع في الاتجاه المعاكس. وعلى وجه الخصوص، ارتفعت تكلفة إيجارات الشقق الجديدة، وهي حقيقة لم تنعكس بالكامل بعد في المقاييس الرسمية لتضخم المساكن، والتي ما تزال تعكس إلى حد كبير عقود الإيجار الموقعة منذ عدة أشهر. ومع ذلك، فمن المحتمل أن ينخفض التضخم بشكل ملحوظ خلال الأشهر القليلة المقبلة. لكن كما قلت، لا داعي للإفراط في الحماس. لا يزال الاقتصاد الأميركي محموماً.

إن ارتفاع الأجور أمر جيد، لكن الأجور ترتفع الآن بوتيرة غير مستدامة. ومن المحتمل ألا ينحسر هذا النمو الفائض في الأجور حتى يتراجع الطلب على العمال مع العرض المتاح، والذي ربما يعني أننا بحاجة إلى رؤية معدل البطالة يرتفع قليلا على الأقل. النبأ السار هو أنه لا يوجد حتى الآن أي مؤشر على أن توقعات التضخم المرتفع قد ترسخت بالطريقة التي كانت عليها في عام 1980 على سبيل المثال.

ويتوقع المستهلكون تضخماً مرتفعاً في المستقبل القريب، لكن التوقعات على المدى المتوسط لم تتحرك كثيراً، مما يشير إلى أن الناس يتوقعون أن ينخفض التضخم كثيراً. على أي حال، إذا كنت تعتقد أن تقرير يوم الثلاثاء الماضي أظهر بأن التضخم يخرج عن نطاق السيطرة، فأنت مخطئ. في الواقع، نحن على وشك تلقي بعض الأخبار الجيدة بشكل مضلل على هذا الصعيد.

*أكاديمي أميركي حائز على جائزة «نوبل» في الاقتصاد.

ينشر بترتيب خاص مع «نيويورك تايمز»