تشهد العلاقات بين الهند والصين خلافاً حدودياً مزمناً منذ عدة عقود. لكن هناك الآن محاولة لتحسين العلاقات في غمرة التطورات في أوكرانيا والإدانة الدولية للعملية العسكرية الروسية. وتسببت حرب أوكرانيا في حدوث تحول في المواقف العالمية. فقد وحدت الولايات المتحدة وأوروبا تحركهما في أوكرانيا ضد روسيا.

وتواجه الصين كذلك ضغوطاً كبيرةً بشأن موقفها ومن أجل دفعها لممارسة ضغوط على روسيا. والواقع، أن الهند والصين اتخذتا مواقف مماثلة ورفضتا إدانةَ العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا بشكل مباشر. وفي ظل هذه الأجواء، جاء وزير الخارجية الصيني «وانغ يي» إلى الهند في تحرك تقاربي جديد. وربط عددٌ من المعلّقين هذا التقارب الصيني بالشكوك التي ثارت في جميع أنحاء العالم بسبب الأزمة في أوكرانيا.

فقد كان «وانج يي» يقوم بزيارة بالفعل في جوار الهند بجنوب آسيا حين أعرب عن رغبته في زيارة الهند ووافقت نيودلهي. وكانت زيارة الهند مهمة، حيث ذكرت الهند عدة مرات في الماضي أنه لا يمكن تطبيع العلاقات دون حل لأزمة الحدود التي تفجرت عام 2020. ولم يجر الجانبان اتصالات دبلوماسية تستحق الذكر منذ ذلك الوقت، وما جرى منها اقتصر على الحديث عن نزع فتيل التوترات على طول الحدود.

واندلعت أعمال قتال في يونيو 2020 بين الهند والصين بعد مقتل جنود من الجانبين في اشتباك عنيف في وادي جلوان بولاية لدّاخ الهندية الحدودية التي كانت حتى ذلك الوقت حدوداً سلميةً إلى حد كبير. وأثار الحادث مواجهة في مناطق حدودية أخرى مع حشد للقوات والأسلحة على امتداد «خط السيطرة الفعلية» بين البلدين. ومنذ ذلك الحين، خاض البلدان 15 جولة من المحادثات، وفكا الاشتباك في وادي جلوان ومرتفعات غوغرا.. لكنهما لم يتمكنا من المضي قدماً لفك الاشتباك في النقاط الأخرى المتبقية.

وغيرت الأحداث الحدودية بشدة ديناميكيةَ العلاقة مع الهند التي صرَّحت بأنه لا يمكن ممارسة النشاط الاقتصادي كالمعتاد، وحظرت 321 برنامجاً وتطبيقاً صينياً خلال العامين الماضيين. ولم يتبق إلا التجارة التي توجهها قوى السوق، إذ تعززت التجارة ونمت خلال هذين العامين. وارتفع عجز الهند التجاري مع الصين من 56.8 مليار دولار عام 2019 إلى 69.4 مليار دولار عام 2021، حتى مع وصول التجارة الثنائية إلى مستوى قياسي بلغ 125 مليار دولار عام 2021. وحتى بعد التقارب مع الصين، ظلت الهند صارمةً في موقفها. وعقب محادثات مع نظيره الصيني، أعلن وزير الخارجية الهندي جائي شنكر أن علاقات الهند مع الصين لا يمكن أن تصبح طبيعية دون فك اشتباك القوات وإحلال السلام على طول الحدود.

وأضاف أن حل الخلاف الحدودي ما زال «عملا يتقدم» وأن المحادثات الحدودية تسير بسرعة أقل من المرغوب فيه. ولم يناقش وزيرا الخارجية القضايا الثنائية فحسب، بل ناقشا أيضاً التطوراتِ الدولية بما في ذلك الوضع في أوكرانيا. وتناول الوزيران في محادثاتهما طائفة كبيرةً من القضايا في لقاء استمر ثلاث ساعات.

وذكر وانغ يي في بيانه أن الصين تحترم دور الهند التقليدي في المنطقة ولا تريد «آسيا أحادية القطب». كما ناقش الوزيران التطورات في أوكرانيا واتفقا على ضرورة وقف فوري لإطلاق النار والعودة إلى الحوار. وامتنعت كل من الهند والصين عن إدانة روسيا مباشرةً بشأن أوكرانيا في غمرة موجة من الإدانات والعقوبات الغربية ضد روسيا. وحثت الصين على زيادة التعاون بين البلدين بشأن القضايا العالمية، في إشارة إلى الكيفية التي قد تنظر بها بكين إلى التغييرات الجارية في النظام العالمي.

ومع ذلك، ما زال هناك القليل من الوضوح حول كيفية تحرك البلدين للأمام نظراً لتشبث الهند بموقفها من السلام على طول الحدود. وكبداية، يتعين عليهما تسريع إيقاع محادثات الحدود التي تعطلت بشأن المرحلة التالية من فك الاشتباك. وفي الشهر الماضي خاض البلدان الجولةَ الخامسة عشرة من اجتماعات قواد القوات الصينية والهندية التي عُقدت عند نقطة عبور حدودية على الجانب الهندي.

واكتفى بيان مشترك بالقول: «ناقش الجانبان بالتفصيل وجهات النظر في هذا الصدد، وفقاً لتوجيهات زعماء الدولتين للعمل على حل القضايا المتبقية في أقرب وقت ممكن». وعلى الرغم من ذلك فمن الواضح أن جانباً كبيراً سيتوقف على مدى تقدم هذه المحادثات الحدودية. وترى الهند أنه لا يمكن تطبيع العلاقات قبل حل الخلاف الحدودي. وفي ظل هذه الأجواء، مازال علينا أن ننتظر ونترقب مدى قدرة البلدين على تجاوز مشكلة الحدود وتطبيع العلاقات.

*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي