يشير الجدل الدولي على مفهوم «الإبادة الجماعية»، بعدما تبنّاه الرئيس الأميركي لوصف ممارسات الجيش الروسي في أوكرانيا، إلى أن أوضاع القانون الدولي في أسوأ حال، أو أنها بحاجة إلى مراجعة. ويمتد النقاش إلى مفاهيم «جرائم الحرب»، و«الجرائم ضد الإنسانية» المنبثقة من محاكمات ما بعد الحرب العالمية الثانية، كذلك مفهوم «جريمة العدوان» المستحدث منذ عام 2017. وشكّل إحجام قادة الدول الآخرين عن مجاراة الرئيس جو بايدن مؤشّراً إلى حالين: إما أنهم يخالفونَه في التقويم بناءً على معطيات متوفّرة لديهم، أو أنهم ربما يوافقونه لكنهم يتحفّظون مراعاةً لمصالحهم ولإبقاء مساحة حوار مع موسكو. 
ويعمل المسؤولون عن الملف في الإدارة الأميركية على جمع المعلومات وتحليلها ليتوصّلوا إلى التوصيف القانوني المناسب.
ويُذكر أن الجانب الروسي أورد «الإبادة الجماعية» لذوي الأصول الروسية في الأسباب التي دعته إلى التدخّل العسكري لحمايتهم، إلا أن الجانب الغربي لم يُعِرْ هذا الاتهام أي اهتمام. 
الحرب تعني مآسي لأي شعب يتعرّض لويلاتها. لا وجود لحرب نظيفة، وأكثر الحروب هولا تلك التي تُرتكب فيها فظائع متعمَّدة، كالقتل للقتل أو للانتقام أو لمعاقبة السكان. المعيار الأساسي هو تعرض المدنيين للقتل،وهذا ينطبق على سوابق أميركية وروسية وإسرائيلية وصربية عدّة، من فيتنام إلى الشيشان، ومن أفغانستان إلى العراق إلى البوسنة وسوريا وغزّة وليبيا. فالوقائع معروفة في معظمها وموثّقة في تقارير دولية، ولم يُصَرْ إلى محاسبات فيها إلا في حالات محدودة ومعدودة، كما بالنسبة إلى قادة صربيين أو أفارقة أشرفوا على مجازر كانت «الإبادة» فيها نافراً جداً. ولم يُحاسب هؤلاء إلا لتضافر ظروف دولية جرّدتهم من أي حصانة أو حماية. وكأن ثمة توافقاً ضمنياً على أن الدول والشعوب لا يمكن أن تُعامل بمساواة أمام القانون، رغم كل الأدبيات الأممية التي تدّعي العكس. إذ أن القوانين تُطبّق باستنسابية، فالصرب لم يُعاقبوا لأنهم ارتكبوا فظائع فحسب، بل لأنهم ارتكبوها في أوروبا، والأفارقة عوقبوا ليكونوا مثالا لسواهم في قارتهم. أما محاسبة الأميركيين والروس والإسرائيليين، مثلاً، فتلك مسألة أخرى.
 كانت الدول الكبرى ساهمت في وضع القوانين والمفاهيم الدولية، وبدل أن تحترمها تهاونت في صونها وتطبيقها على نفسها وعلى حلفائها. هذا ما ينبغي أن يكون جوهر النظام الدولي الحالي أو «الجديد». إذ أن خضوع هذا النظام لدولة واحدة، أو للخمسة الكبار وفيتواتهم وصراعاتهم ومصالحهم، أثبت طوال ما يقرب من سبعة عقود أنه فرّط بكل مفاهيم العدالة والتسامح، وأعطى النماذج التي اتّبعتها حكومات الظلم والاستبداد وأقامت لنفسها منظومات مريحة للإفلات من العدالة.

عبدالوهاب بدرخان*
*كاتب ومحلل سياسي -لندن