أثارت الحرب الأوكرانية اتهامات على نحو متزايد بارتكاب جرائم حرب، بل إن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والرئيس الأميركي جو بايدن تحدثا عن جريمة إبادة جماعية.

غير أنه إذا كانت الصور القادمة من أوكرانيا فظيعة، إلا أنه لا يمكن وصف هذه الجرائم بالإبادة الجماعية، على اعتبار أن مفهوم الإبادة الجماعية ينطوي على إرادة ورغبة في القضاء على مجموعة سكانية معينة كلها أو الجزء الأكبر منها. وهذا ما لا يحدث في أوكرانيا.

الواقع أن المحكمة الجنائية الدولية فتحت تحقيقاً في الموضوع، ولكنه يبدو أن آفاق نجاحه محدودة، على اعتبار أن روسيا لم تصادق على «اتفاقية روما»، وهي النص المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية. وفي الأثناء، تطالب الولايات المتحدة، عن طريق جو بايدن، بالتحقيق في الجرائم. وهو ما يمكن أن ينطوي على بعض السخرية، الدراماتيكية على أقل تقدير، وذلك على اعتبار أن الولايات المتحدة، التي لم تصادق على اتفاقية روما، ترفض هي نفسها سلطة المحكمة الجنائية الدولية. والحال أن ازدواجية المعايير وسياسة الكيل بمكيالين السافرة هذه تُفقد القضية التي يراد الدفاع عنها مصداقيتها.

وبالطبع، تثير هذه الحرب المتواصلة كثيراً من العواطف والمشاعر، ولكن العواطف لا ينبغي لها أن تحول دون التبصر وإعمال العقل، إذا كنا لا نريد الذهاب إلى مآزق وخيبات أمل جديدة. فالعواطف لا ينبغي أن تؤدي إلى إقامة عملية انضمام سريعة لأوكرانيا في الاتحاد الأوروبي، وهو ما سيطرح إشكاليات بالنظر إلى حالة الاقتصاد الأوكراني غير المستعد لتحمل صدمة المنافسة مع الاقتصاد الأوروبي. إذ ينبغي أولاً القيام بمجموعة من الإصلاحات في الاقتصاد الأوكراني.

وإذا كانت لدى بوتين مسؤوليات كبيرة في مآسي أوكرانيا الحالية، فإن الزعماء الأوكرانيين لديهم مسؤولياتهم الخاصة أيضاً. إذ كيف يمكن، مثلا، تفسير أن حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في أوكرانيا باتت اليوم أقل مما كانت عليه في 1991؟ فولوديمير زيلينسكي يمكنه أن يتهم نيكولا ساركوزي وأنجيلا ميركل بأنهما يتحملان مسؤولية عدم انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو في 2008، غير أنه لا ينبغي أن ننسى أن كل القادة الأوكرانيين، سواء الموالون للروس أو الموالون للغربيين، كان كل تفكيرهم منصباً على مدى وقت طويل على الاغتناء على حساب تنمية البلاد.

وفضلاً عن ذلك، فإن عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي هي دائماً عملية طويلة، كما أن بعض البلدان، المرشحة لها رسمياً والمعترف بها على هذا الأساس، وخاصة في منطقة البلقان، تنتظرها منذ زمن طويل.

ومما لا شك فيه أن وضع أوكرانيا كبلد ضحية يخولها دعماً كبيراً بخصوص إعادة الإعمار، ولكن ليس انضماماً سريعاً إلى الاتحاد الأوروبي. ومن جهة أخرى، لا بد من أن تكون المساعدة في إعادة الإعمار موضوع متابعة ومواكبة من أجل التحقق من أن هذا المال لن يذهب إلى جيوب الأوليغارشيين، وإنما سيفيد السكان وعملية إعادة الإعمار حينما تصبح هذه الأخيرة ممكنة.

والواقع أن الحرب يمكن أن يطول أمدها، والمعارك ماضية نحو الاحتدام والاستعار في منطقة دونباس. ولكن بالنسبة لبوتين، التاريخ المهم هو تاريخ 9 مايو، تاريخ الاحتفاء بالانتصار على هتلر. وأغلب الظن أنه سينتظر 9 مايو من أجل ادعاء انتصار في الحرب التي أطلقها بنفسه، والتي يتبين الآن أنها نجاح أصغر بكثير مما كان يأمله. إزاء هذا الوضع، من المهم ألا يشدد الغربيون كثيراً على النقاش بشأن الديمقراطية، كما كانت ترغب في ذلك الولايات المتحدة من أجل الحشد والتعبئة من أجل الضغط على روسيا.

ففي واقع الأمر، العالم غير الغربي لا يتبع الغربيين في العقوبات المفروضة على روسيا. وبالنسبة لكثير من البلدان غير الغربية، تمثّل العقوبات شططاً وسوء استخدام لوضع الهيمنة من قبل العالم الغربي، وتشير إلى رد فعل هذا الأخير حينما يريد فرض كلمته. ولا شك أن حقيقة أن بلدانا متنوعة - وحليفة للعالم الغربي - مثل السعودية أو الإمارات أو جنوب أفريقيا أو إسرائيل أو الهند، لا تتبع الغرب في تطبيق العقوبات ينبغي أن تدفع الغربيين للتفكير. والأكيد أنه سيكون من الحكمة والحصافة الدفع والاحتجاج بعدم احترام القانون الدولي، وبالاعتداء والحرب، اللذين باتا ممنوعين، كطريقة عمل بالنسبة لروسيا، أكثر من إنشاء معيار أو قاعدة للتمييز بين الديمقراطية والديكتاتورية، قاعدة لا تحترمها البلدان الغربية دائماً أصلاً.

مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس