يصادف يوم 19 رمضان 1443 للهجرة الذكرى الثامنة عشر لرحيل المغفور له الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه». كان نبأ رحيله فاجعةً هزت كياننا جميعاً، أفراداً ومجتمعاً، صغاراً وكباراً، مواطنين ومقيمين.. حين انتقلت روحه مشرئبةً إلى رحمة الله وغفرانه ورضوانه، في ذلك اليوم من أيام الشهر المبارك العظيم. وهي مشاعر شاركتنا فيها شعوب دول مجلس التعاون الخليجي وشعوب باقي الدول العربية والإسلامية.

واليوم تطل ذكرى رحيل حكيم العرب وأنبل فرسانها، بإنسانيته المتميزة كقائد فذ قلّ نظيره في التاريخ. ووفاءً لمؤسس الدولة وباني نهضتها، نستحضر في يوم 19 رمضان من كل عام سيرتَه العطرة، بذكر أقواله واستعراض بعض عطاءاته وإنجازاته ومآثره المعنوية والأخلاقية في بناء أجيال الإمارات، إلى جانب البناء العمراني المشهود، وسائر جهوده العظيمة الأخرى لصالح الإنسان والبيئة وجميع المخلوقات.. فكلها تحكي قصصَ نجاح تحققت على الأرض.

كان الشيخ زايد صاحب مشروع مستقبلي، بأفكاره المتقدمة والسابقة على عصره.. إذ كان يؤمن بأن مهمة أي حاكم هي خدمة شعبه، وكان يؤيد حقوق المرأة وتمكينها في مجال التعليم والثقافة، مؤكداً على الدوام أنها «نصف المجتمع». كما رحَّب بحريّة الصحافة وبكل نقد بنَّاء تنشره. كما كان منفتحاً على كل الأفكار التغييرية، وقد صرَّح ذات مرة قائلاً: «لن أفرض التغيير على أحد، فهذا استبداد»، ثم أوضح: «لدينا جميعاً آراء، وهذه الآراء يمكن أن تتغير. أحياناً نجمع الآراء معاً، ولا نأخذ منها سوى وجهة نظر واحدة، وهذا نظامنا الديمقراطي». وقال أيضاً: «نظام حكومتنا قائم على ديننا، وهذا ما يريده الناس. وإن أرادوا البحث عن بدائل، فنحن مستعدون لسماعهم. ونحن جميعاً في قارب واحد».

وحثَّ الشباب الإماراتي على تطوير أخلاقيات العمل، بقوله: «من واجبي كقائد لشباب هذا الوطن حثُّهم على العمل، وبذل جل جهدهم من أجل الارتقاء بمهاراتهم». وقد ترك الشيخ زايد إرثا نفيساً كان أحد ثماره الطيبة ما يسود مجتمع دولة الإمارات من أمن وأمان وألفة ووئام ومحبة بين الحاكم والمحكوم.. ومن التفاف الشعب حول قيادته وتشبثه بوطنه. وتحضر ذكرى زايد في كل بيت وكل ركن، في الشجر والمدر، في الدروب التي أعمرها والنخيل الذي سقاه، في مسيرة إعمار وإنماء كبرى متواصلة.

لقد حطمت الإمارات كل الأرقام القياسية في مجال البناء والعمران والإنماء، لكن من أجمل ما حباها الله به الأمن والأمان والسلم الأهلي والتعايش المشترك وروح التسامح والإخاء وقيم الوفاء والإخلاص. ولعل أكثر ما كان يهم الشيخ زايد هو بناء الإنسان الإماراتي، والحمد لله أن آماله تحققت، وها هي قيادة الدولة تواصل السير على نهج الرشاد والحكمة، يحدوها حنو لا نهاية له على شعبها الذي بقي على العهد، سيراً على ذات النهج الذي أسسه الوالد المؤسس الشيخ زايد، واستمر عليه من بعده صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله.ذكرى زايد لها موقع خاص في قلوب الإماراتيين، وفيها يستحضرون مشاعر المسؤولية الوطنية بواجباتها وحقوقها، ويستذكرون ما كان يراود الوالد المؤسس من أحلام وتطلعات مستقبلية.. فعلينا أن نُجسد كل ذلك بالتعاضد والتآلف، تحقيقاً لمزيد من التقدم والازدهار. رحيل الشيخ زايد كان حدثاً جَللاً لا يمكن نسيانه، فهو الوالد والمؤسس وباني نهضة الإمارات والعلامة الفارقة في تاريخها، ورائد «الدبلوماسية الإنسانية»، وما أضافته لدولة الإمارات من رصيد كبير في مجال «القوة الناعمة».

*سفير سابق