تبدو حركة الأحداث في الوقت الراهن على المستوى الدولي، دافعاً لمزيد من الحيرة حول شكل العقود القادمة، وما إذا كانت فكرة الثنائية القطبية التي عرفتها البشرية منذ القدم وحتى الساعة، سوف تمضي قدماً، أم أنها ستتغير إلى عالم متعدد الأقطاب؟

يبدو الجواب غير واضح حتى الآن، فيما المقطوع به أن هناك تكتلات جغرافية وديموغرافية باتت تطفو على سطح الأحداث بقوة، وهذه حكماً ستكون مدخلاً لعالم قطبي مغاير. يقول البعض أن الولايات المتحدة الأميركية قد انتهى زمن تفردها بالقيادة الدولية، وقد يكون هذا صحيح بالفعل، لكن في كل الأحوال ستكون رقماً صعباً وفاعلاً على الصعيد الأممي.

في الوقت عينه يبدو أن التحالف الصيني الروسي الذي نشأ على هامش الأزمة الروسية الأوكرانية الأخيرة، سيشكل ركيزة قطبية أخرى ربما في المدى الزمني القريب، وإنْ كان من المشكوك فيه أن مثل هذا التحالف سوف يبقى إلى أمد طويل، لاختلاف التركيبة الحضارية للبلدين.

وفي كل الأحوال، تبقى الصين مرجحة لأن تلعب دوراً قطبياً قائماً بعينه، سواء مع روسيا أو بغيرها، بل إن هناك مناطق نفوذ صينية تصعد في السنوات الأخيرة وتجاهر برغبتها في الانشقاق عن صف القوى الغربية التقليدية. ما هو وضع أوروبا؟ هذا تساؤل مهم بدوره، إذ يرجح أن تكون الأزمة الأوكرانية الأخيرة دافعاً لصحوة أوروبية، وفي الواقع كان الأوروبيين وقبلها بعدة سنوات يتحدثون عن قوة مسلحة أوروبية..هل يكون في ذلك نهاية زمن حلف «الناتو»؟

المتابع لكثير من الكتابات السياسية الدولية يدرك أن هناك الكثيرين الذي يقطعون بأن الزمن قد تجاوزه، هذا على الرغم من أن الهجوم الروسي الأخير، قد أعطى قبلة حياة مؤقتة لأعمال الحلف، لكن لا يمكن إنكار أن هناك تباينات بين المصالح الأوروبية والأميركية قد طفت على السطح خلال الشهرين الماضيين، اقتصادية أول الأمر وعسكرية تالياً.

ضمن الكتل المرجحة لمشاغبة عالم القطبية، تبزغ أفريقيا على الخارطة الأممية، لا سيما في علاقاتها مع دول أميركا اللاتينية، ويمثلان كتلة صاعدة في عالم ما بعد الإمبريالية، ولديهما فرص حقيقية للنمو، والتقدم على الصعيد الإنمائي المستدام. هل انتهى زمن الثنائية القطبية مرة وإلى حين إشعار آخر؟

من الواضح أنه تبدو في الأفق ملامح ومعالم مغايره للعالم القديم، وهنا يتذكر المرء ما فاه به المثقف العضوي اليساري الكبير على صغر عمره وقت رحيله، أنطونيو غرامشي، من أن القديم يعاني من سكرات الزوال، والجديد يجاهد لكي يولد، وفي الفترة بينهما تحدث تغيرات وتطورات مثيرة للتأمل أحياناً ومدعاة للخوف والقلق أحيانا أخرى.

ينتظر الجميع في أوقاتنا الحالية ما ستسفر عنه موجات المواجهات المسلحة بين روسيا وأوكرانيا، وربما يتابع الكثيرون ما يحدث في شرق آسيا من مواجهات مكتومة بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، ولا يمتلك أي مراقب للمشهد الأممي رؤية ولو تقريبية عن مآلات العالم القادم، وكأن المشهد الدولي أقرب ما يكون إلى كرة الثلج المنحدرة من فوق الجبل، والتي يخشى أن تتحول إلى انهيار جليدي عند لحظة بعينها. هل من خلاصة..حكماً نحن في أزمنة صعبة يعاد فيها رسم نفس وجسم العالم المعاصر.

* كاتب مصري