يوم الأحد 24 أبريل، أعيد انتخاب إيمانويل ماكرون لرئاسة الجمهورية الفرنسية لولاية ثانية. فكيف ستكون توجهاته في السياسة الخارجية؟ 
الواقع أنه كان هناك تخوف مهم عند شركاء فرنسا الأوروبيين من انتخاب مارين لوبين، والذي كان سيضع العلاقات معهم موضع شك، سواء تعلق الأمر بشركاء حلف «الناتو» أو شركاء الاتحاد الأوروبي. وبالتالي، هناك ارتياح اليوم، ولكن ليس الأمل الذي كان لافتاً جداً عقب انتخاب إيمانويل ماكرون في 2017. فهذا الأخير بات إزاء بيئة دولية مختلفة تماماً. 
بشنها هجوماً ضد أوكرانيا، ولم يعد من الممكن أن تبقى روسيا شريكاً لفرنسا، وهذا على المدى الطويل. في عهد ديغول وميتيران، ولكن أيضاً في عهد شيراك، وبدرجة أقل ساركوزي وهولاند، كانت موسكو شريكاً لفرنسا، على الرغم من الخلافات الكثيرة معها حول طبيعة النظام السياسي وبعض الملفات الدولية. وكانت هذه العلاقة مع روسيا تسمح لفرنسا بزيادة هوامش المناورة لديها. ولكن هذا الوضع ولّى الآن. 
وبالطريقة نفسها، أُقبرت مشاريع الاستقلالية الاستراتيجية الأوروبية، التي ترفعها فرنسا، إلى حين. ذلك أن كل البلدان الأوروبية خائفة من التهديد الروسي وتفضل الاحتماء تحت الأجنحة الأميركية. وقد رأينا السويد وفنلندا، اللتين كانتا ترفعان شعار الحياد وجعلتا منه رأس حربة دبلوماسيتهما، تسلكان طريق الدخول إلى الناتو. وهكذا، أُرجئ النقاش حول تعزيز استقلالية أوروبا، على المدى المتوسط، إلى خلفية المشهد الاستراتيجي. 
بالنسبة للولايات المتحدة، يلعب جو بايدن بطاقة الشراكة مع أوروبا، وإنْ كانت سياسة تعددية الأطراف التي يتّبعها متذبذبة تظهر تارة وتختفى تارة أخرى. ولكن هل رغبة الأوروبيين في رؤية وجود أميركي أكبر في أوروبا ستدفعهم إلى الانحياز إلى المواقف الأميركية إزاء الصين؟ الواقع أن هذا التنافس مع بكين يظل الكلمة المحورية لسياسة بايدن الخارجية. 
وفي منطقة الساحل، توجد فرنسا في موقف دفاعي. ولا شك أن تدني شعبيتها المتواصل في المنطقة وعلى القارة الأفريقية ينبغي أن يبعث على التفكير. ذلك أن معظم البلدان الأفريقية لم تتبع فرنسا في بعض التنديدات أو في تطبيق العقوبات ضد روسيا. وفي الوقت نفسه، تتضاعف اتفاقيات الشراكة بين البلدان الأفريقية وروسيا، وخاصة في المجال الأمني. 
في العالم العربي والشرق الأوسط، يمثّل هذا التراجع الفرنسي في الواقع خسارة حقيقة للنفوذ. فكيف ستتطور على المدى الطويل؟ ثم إن إيمانويل ماكرون قرر إلغاء سلك الدبلوماسيين المحترفين الفرنسي. وهذا يمكن أن يقلّص قدرة فرنسا على العمل وإشعاعها الدبلوماسي. 
في بداية هذا القرن، كانت فرنسا البلد الغربي الأكثر شعبية خارج العالم الغربي. ولا شك أن نقاشات السياسة الداخلية مسؤولة عن خسارة رصيد فرنسا وشعبيتها اليوم. ذلك أن النقاشات المعادية للإسلام باسم علمانية زائفة، أو حول الهجرة، تُسمع وتُشاهد في الخارج، ولها تأثير مهم على صورة البلد. فهل سيسعى إيمانويل ماكرون إلى إعادة إعطاء فرنسا صورة أكثر هجومية في ما يتعلق بحقوق الإنسان، والدفاع عن الأقليات، ومكافحة العنصرية؟ وهل سيرغب، وهو الذي كان يتبنى خطاباً واضحاً جداً حول مسألة الهوية في 2017، في تصحيح الأخطاء التي ارتُكبت خلال ولايته الأولى؟
يبدو بالفعل أنه إذا تصالحت فرنسا مع نفسها، فإنها ستستفيد من أحسن صورة في الخارج. وهذا ينبغي أن يشكّل الأولوية في هذه الولاية الثانية: كسب القلوب والعقول في الخارج. 
ولهذا الغرض، هناك ملفان لم يفعل إيمانويل ماكرون ما يكفي بخصوصهما. فمن جهة، هناك مكافحة الاحتباس الحراري. وفرنسا لديها بعض الحجج التي ينبغي أن تدفع بها وتبرزها في هذا الشأن، ولكنها ينبغي أن تكون أكثر تناغماً واتساقاً. فإيمانويل ماكرون لا يمكنه تبني خطاب هجومي جداً على المستوى الدبلوماسي بخصوص هذا الموضوع و«في الوقت نفسه» يتأخر في تنفيذ إجراءات على الصعيد الداخلي. ومن جهة أخرى، هناك مسألة دعم تعددية الأطراف والتعاون والتنسيق الدوليين، وهنا يمكن لفرنسا أن تظهر بمظهر من يسعى للتوحيد خارج العالم الغربي. ذلك أنه من المهم جداً لفرنسا اليوم أن تذكّر بانتمائها للمعسكر الغربي، ولكن من دون أن تختزل نفسها في ذلك. فإيمانويل ماكرون أعلن في مناسبات كثيرة انتماءه إلى المدرسة الديغولية-الميترانية (نسبة إلى الرئيسين ديغول وميتيران). وإذا كان يرغب في أن يعطي فرنسا بعض البريق من جديد، فينبغي له أن يجدّد خطابه وعمله في هذا المجال، ذلك أن فرنسا تكون لها شعبية في الخارج حينما تكون مختلفة. أما إذا كانت مجرد بلد غربي بين الآخرين، فإنها ستفقد جاذبيتها في بقية العالم. فهي لا تكون قوية إلا إذا لعبت على هذه الهوية المزدوجة، الغربية ومتعددة الأبعاد، هوية قوة ذات توجه عالمي. 

مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس