اللبنانيون يتوجهون إلى صناديق الاقتراع في غضون أسابيع قليلة. وبدون مبالغة، ستحدد هذه الانتخابات فرص بقاء البلاد.

لبنان في حالة من التدهور الاقتصادي ويجب تنفيذ إصلاحات جذرية لتجنب الإفلاس. كما أن البلاد في حالة انهيار سياسي، حيث فقد الغالبية العظمى من اللبنانيين الثقة في الأحزاب الطائفية التقليدية والنظام السياسي. والأهم أن اللبنانيين محبطون ومنهكون في الوقت نفسه. واستطلاعاتنا للرأي تكشف عن أن هناك أرقاماً قياسية من السكان يغطون نفقاتهم الأساسية بشق الأنفس. وتشير استطلاعات الرأي التي أجريناها إلى انتشار انعدام الأمن الغذائي وحتى الجوع المباشر. وهذا مؤسف للغاية في بلاد صعدت بمستوى إعداد الطعام إلى درجة عالية من الفن.

ومن المؤسف أيضاً أن يهجر الشباب المتعلم البلاد التي تفاخر بوجود بعض من أفضل الجامعات في المنطقة. فقد عبر عدد كبير من الشباب الذين يشعرون بعدم اليقين بشأن مستقبلهم في لبنان عن رغبتهم في الهجرة. وتشير استطلاعاتنا للرأي أيضاً إلى ما يريده اللبنانيون.

إنهم يريدون حكومة تستجيب لاحتياجاتهم، بما في ذلك توفير فرص عمل وخدمات اجتماعية، وتحقيق الوحدة الوطنية والأمن، ووضع حد للفساد والمحسوبية والنظام الطائفي الذي استنزف ثروات البلاد ومواردها لخدمة مصالح السادة أصحاب الامتيازات. وحين تدفق أكثر من مليون لبناني من جميع شرائح المجتمع إلى الشوارع في أكتوبر 2019، مرددين هتافات تطالب الجميع بالرحيل، قائلين «كلن يعني كلن»، كانوا يعبرون بهذا عن خيبة أملهم العميقة في النظام القديم الذي جعل البلاد تركع. المشكلة، بالطبع، هي أن ممثلي النظام القديم ليسوا مستعدين إفلات قبضتهم عن السيطرة، بل يواصلون التصرف مثل نيرون الذي ظل غارقاً في عبثه حين كانت روما تحترق.

ومما زاد الطين بلة، أنهم مدعومون بالوجود المسلح لـ«حزب الله»، الذي يعمل على حماية النظام الطائفي الفاسد الذي يستفيد منه كثيراً. وفي استطلاعات رأي أحدث، وجدنا أن اللبنانيين لديهم بصيص تفاؤل تجاه المستقبل، وهذا التفاؤل مستقى من الأمل الناتج عن الاحتجاجات الجماهيرية التي يقودها المجتمع المدني ومن الاعتقاد بأن الانتخابات قد تحدث تغييراً حقيقياً. والمشكلة هي أن طريقة تنظيم الانتخابات في لبنان تصب في مصلحة الأحزاب الطائفية التقليدية الراسخة.

وحتى لو وجد المراقبون من الخارج أن العملية «حرة ونزيهة»، فإن الانتخابات مزورة في بنيتها ومن شبه المضمون أن يعود إلى السلطة الزعماء الفاشلون أنفسهم الذين دفعوا البلاد إلى شفير الهاوية. وعلى الرغم من هذا، هناك مؤشرات قليلة تبعث على الأمل. فالغالبية العظمى من اللبنانيين يدركون المشكلات التي تواجه بلادهم ونظامهم السياسي ويريدون التغيير. وهناك 80% من اللبنانيين ليس لهم ثقة في الأحزاب التقليدية. ونصف اللبنانيين لا يثقون في «حزب الله»، وثلثاهم يريدون وضع سلاح هذه الجماعة تحت سيطرة الجيش وهو المؤسسة الأكثر تمتعاً بالتأييد في البلاد، فالجيش يحظى بثقة تسعة من كل عشرة لبنانيين.

والمعارضة التقدمية تشعر، على الرغم من أن النظام مزور في غير صالحها، أن الفوز بما يتراوح بين 12 و15 مقعداً فقط-من أصل 120 مقعداً في البرلمان- يمنحها نفوذاً يكفي لمنع الوجوه القديمة نفسها من تشكيل الحكومة المقبلة. وسيصبحون في وضع يسمح لهم بالضغط في سبيل تشكيل حكومة تدعم على الأقل الإصلاحات المتواضعة اللازمة لمنع انهيار تام. وإذا اضطلعت حكومة جديدة بإجراء التغييرات التي يتطلبها المستثمرون الدوليون ومؤسسات التمويل، واستعادت بعض الثقة والاستقرار في العملة اللبنانية، وتفاوضت لتأمين حقوق التنقيب عن احتياطيات الغاز قبالة سواحل لبنان، فسيتمكن لبنان من تجنب انهيار.

والأمر يتطلب أكثر من ذلك بكثير. فيتعين مساءلة المسؤولين عن استنزاف المليارات من البلاد عن طريق الفساد، وعن التفجير المدمر لميناء بيروت، وعن اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري وأعضاء حكومته وأنصاره في البرلمان والإعلام. ويتعين إخضاع «حزب الله» لسيطرة مؤسسات الدولة. ويجب ألا تخدعنا أية أوهام. فعلى الرغم من ضرورتها القصوى، فلا سهولة في القيام بأي من هذه الإجراءات. لكن إذا لم تسفر هذه الانتخابات عن شيء أكثر من الوجوه القديمة نفسها، فكما قلت من قبل، سينهار على الأرجح لبنان بعد سنوات من وقوفه على حافة الانهيار.

رئيس المعهد الأميركي العربي- واشنطن