مع بلوغ حصيلة الإصابات بفيروس كورونا ما يزيد على نصف مليار شخص على مستوى العالم ومعدل وفيات يزيد على 6 ملايين شخص، أصبح الاستعداد لمواجهة الأوبئة ضرورة استراتيجية على المستوى العالمي، نظراً لما ينتج عنها من خسائر اقتصادية تفوق خسائر الحروب، وذلك في زمن قياسي.

ولكن بالعودة إلى تاريخ إصابة البشرية بالأوبئة نجد أن جائحة كورونا ليست هي الأولى، وحتماً لن تكون الأخيرة.

فقد عرف الإنسان الأوبئة منذ حقبة ما قبل الميلاد وتراوحت بين الطاعون والجدري والكوليرا والحصبة والملاريا والحمى الصفراء وغيرها، ولكن أشهر تلك الأوبئة العالمية طاعون أنطونين (الجدري) الذي ضرب الإمبراطورية الرومانية في الفترة ما بين 165 – 180 م، والذي أودى بحياة خمسة ملايين شخص، وطاعون جستنيان في الإمبراطورية البيزنطية ما بين عامي 541- 542 م، والذي توفي بسببه 25 مليون شخص.

أما الموت الأسود الذي أصاب قارتي أوروبا وآسيا في الفترة من 1338 إلى 1351م، فقد تسبب في وفاة 100 مليون شخص، وهناك طاعون إيطاليا الذي حدث ما بين 1629 إلى 1631م، وتسبب في وفاة 280 ألف شخص بجانب أوبئة الكوليرا السبعة الشهيرة عبر التاريخ التي ضربت العالم في الفترة من 1817 إلى 1975م، وتسببت في وفاة ما يزيد على مليوني شخص.

ونذكر أيضاً وباء الأنفلونزا الذي عصف بالعالم بين عامي 1918 إلى 1920 وتسبب في وفاة 75 مليون شخص، ووباء فيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز الذي ينتشر في العالم منذ 1981 وتوفي بسببه ما يزيد على 25 مليون شخص.

والأمر الذي لا ريب فيه أن الوعي البشري يزيد وينضج بعد كل موجة وباء تصيب الإنسان، وبالتالي يتم تسخير العلم والمجالات الطبية لدراسة وتحليل تلك الأوبئة ووضع أفضل الاستراتيجيات لمواجهتها والتخفيف من آثارها حال حدوثها مرة أخرى.

وعلى مستوى دولة الإمارات العربية المتحدة فإن التعامل مع الأوبئة وسلامة الاستعداد لها بدأ منذ قيام الدولة، ولكن أستطيع القول إن مرحلة الاستعداد المبنية على أسس علمية والتي تضافرت فيها جميع الجهود الوطنية لمواجهة شتى أنواع الأوبئة قد بدأت منذ عام 2009 مع تفشي وباء أنفلونزا الخنازير على مستوى العالم.

فقد شرعت الإمارات منذ ذلك الوقت في وضع خطط الاستعداد الأمثل للتعامل مع الأوبئة والتدريب عليها وطنياً ومحلياً وتطوير البنية التحتية في كافة المجالات وأهمها الصحية والتكنولوجية، وتجلت نتائج ذلك الوعي المبكر جداً في خطط التعامل مع وباء كورونا، والذي نجحت فيه الدولة بامتياز قلما نجده في طرق المواجهة ثم التعافي المبكر من آثار الجائحة. وفي هذا الإطار، واستذكاراً لدروس التاريخ الإنساني والتجارب المريرة التي عصفت بالمجتمعات في كافة أنحاء العالم نتيجة تفشي الأوبئة، جاءت دعوة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، لأهمية بناء استراتيجيات عالمية فاعلة ومستدامة للتعامل مع الأمراض والأوبئة، معتبراً إياها أخطر تحدي يواجه المجتمعات.

ولقد جاءت تلك الدعوة بمثابة رسالة لدول العالم والمؤسسات المتخصصة في دراسة وتحليل الأوبئة بضرورة التكاتف والعمل جنباً إلى جنب بهدف ضمان الاستعداد الأمثل لمواجهة والتعامل مع الأوبئة التي قد تصيب البشرية مستقبلاً.

ونحن على يقين أن الجهات المعنية في دولة الإمارات العربية المتحدة، سوف تضع تلك الدعوة بمثابة منهاج عمل تقوم من خلاله بتحليل الدروس المستفادة من جائحة كورونا وتطوير خطط الاستجابة الوطنية لضمان أفضل مواجهة في المستقبل لمختلف أنواع الأوبئة.

* باحث إماراتي