بطبيعة الحال، التقارب الخليجي التركي الذي يتطور يوماً بعد يوم يخدم المصالح الإقليمية للطرفين على النطاق السياسي والاقتصادي والسياحي والتعاون الاستراتيجي المشترك بين دول مجلس التعاون التي تمثل عمقاً إقليمياً مهماً في الشرق الأوسط والدولة التركية بعمقها التاريخي والسياسي، إلا أن هذا التقارب يضر المصالح الحزبية لتنظيم «الإخوان»، وقد باتت نتائج هذا التقارب تتجلى بشكل كبير هذه المرحلة بعد عدة إجراءات اتخذتها الحكومة التركية منذ عدة أشهر بدءاً بإغلاق قنوات «الإخوان» وتحجيم عملهم الإعلامي الذي كان يبث من الأراضي التركية، هذا فضلاً عن تقليص نشاطاتهم المالية والتجارية وإبرام اتفاقيات عربية تركية لتسليم المطلوبين الهاربين منهم، كما حدث مع مصر.

وهنا تتضح المكاسب السياسية بين تركيا ودول الخليج العربي ومصر، والخسائر السياسية للتنظيم الإخواني وفقدان جانب كبير من تمكينه وإيواء عناصره في مكان لطالما اعتبروه ملاذهم الآمن.

وتسير تركيا اليوم بخطوات سياسية مختلفة تجاه منطقة الخليج، بعد سنوات من الفتور في العلاقات، وتأتي زيارة الرئيس التركي تتويجاً لتحركات دبلوماسية متواصلة استهلتها تركيا منذ أكثر من سنة عبر اتصال هاتفي أجراه أردوغان مع العاهل السعودي في مايو العام الماضي، وزيارة رسمية مطلع هذا العام لدولة الإمارات العربية المتحدة، ثم إرسال وزير خارجيته مولود تشاووش أوغلو، في زيارة رسمية للرياض للقاء نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، ليتوج هذا الحراك الدبلوماسي بزيارة رسمية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأسبوع الماضي إلى منطقة الخليج استهلها بالسعودية وزيارة سابقة للإمارات وتهدف إلى تجميد الخلافات واستعادة دفء العلاقات بين أنقرة ودول المنطقة، وكذلك هو الحال تجاه جمهورية مصر العربية التي شهد عام 2021 حراكاً كبير وتنازلات من الجانب التركي نحوها بشأن «الإخوان» وتسليم المطلوبين من كوادرهم للقضاء المصري.

وقد نشرت قناة «مكملين» الإخوانية بياناً توضح فيه نقل جميع استديوهاتها وبثها إلى خارج تركيا، ما يعني أن إعلام «الإخوان» الخارجي يعاني من الارتباك والانقسام، وذلك بعد أن أوقفت تركيا برامج إعلاميين إخوان وفرضت شروطاً على قنوات الجماعة، وبعد أن منعت المتورطين في قتل النائب العام المصري هشام بركات من مغادرة البلاد، وفرضت قيوداً جديدة على اثنين من المطلوبين الدوليين هما يحيى موسى المسؤول عن تخطيط عملية اغتيال النائب العام وغيرها من العمليات الإرهابية، وعلاء السماحي القيادي في حركة «حسم» الإرهابية وبالتالي تضييق الخناق على كوادر وأعضاء الحزب في المكان الذي لطالما استشعروا الأمان والمرونة فيه.

تطورات كبيرة طرأت على المشهد الإقليمي العربي والدولي في العامين الأخيرين، مما دفع بدول الخليج العربي إلى تغيير سياساتها وتجديد حلفائها وعلاقاتها الدولية على مستويات عدة، ومع تصاعد الصراع الصيني الغربي والصيني الأميركي في آسيا الوسطى والمحيط الهادئ والصراع الروسي الغربي في أوروبا الشرقية وتحديداً في الميدان الأوكراني حالياً.

ولا شك في أن للجانب التركي مكاسب جمة من هذا التقارب مع دول الخليج، ومكاسب جمة أيضاً لدول الخليج التي تسعى لتجديد تحالفاتها ولعب دور أكبر في المشهد الدولي وتصفير الخلافات مع خصوم الأمس. والمؤكد أن الخاسر الأكبر من هذا التقارب هو التنظيم الإخواني الذي ما إن يتموضع ويحصد المكاسب خلف أي فتور أو خلاف حتى يتهاوى مع أول متغير سياسي أو تقارب على الساحة العربية والدولية ليعود إلى نطقة الصفر أو ما قبلها!

*كاتبة سعودية